#تقرير_خاص: التحول الرقمي في السعودية: بين النهضة التقنية وشبح الرقابة
علي الزنادي
يشهد المشهد السعودي اليوم تسارعًا غير مسبوق في مشاريع التحول الرقمي، ضمن إطار رؤية 2030 التي تضع التكنولوجيا في قلب التنمية المستقبلية. من البنية السحابية إلى المدن الذكية والأنظمة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، تبدو المملكة وكأنها تسابق الزمن لتثبيت مكانتها كقوة تقنية إقليمية.
لكن خلف هذه الصورة المشرقة، يلوح تحدٍّ بالغ الخطورة: هشاشة الأرضية الرقمية أمام الهجمات السيبرانية. فكل توسع في الاعتماد على السحابة والذكاء الاصطناعي يعني بالضرورة زيادة مساحة الهجوم التي يمكن أن يستغلها القراصنة أو الجهات المعادية.
مارك ثورموند، الرئيس التنفيذي لشركة Tenable، لم يتردد في التحذير خلال مؤتمر "بلاك هات MEA 2025" بالرياض من أن البنية الرقمية السعودية قد تتحول إلى بيئة خصبة للاختراقات إذا لم تُعالج إدارة المخاطر بجدية. كلامه يعكس إدراكًا عالميًا بأن الأمن السيبراني ليس مجرد إضافة تقنية، بل هو شرط وجودي لأي مشروع رقمي.
في المقابل، تثير تقارير حقوقية دولية مخاوف من أن هذه البنية التقنية قد تُستخدم لتعزيز الرقابة على المواطنين. فالتاريخ القريب يذكّرنا باستخدام أدوات مثل Pegasus أو الوصول غير القانوني لبيانات تويتر في تتبع المعارضين، ما يجعل الحديث عن "النهضة الرقمية" مشوبًا بالقلق الحقوقي.
الذكاء الاصطناعي، الذي يُسوَّق كأداة للتطوير، قد يتحول إلى سلاح للتنبؤ بالسلوك ورصد الأنشطة الفردية. وهنا يصبح السؤال الحقوقي حاضرًا بقوة: هل يمكن أن تُبنى نهضة رقمية حقيقية دون ضمانات تحمي حرية الأفراد وخصوصيتهم؟
إن الجمع بين الأمن التقني والضمانات الحقوقية ليس خيارًا ثانويًا، بل هو أساس استدامة أي مشروع رقمي. فالتكنولوجيا التي تُستخدم بلا ضوابط قد تتحول من أداة للتقدم إلى أداة للسيطرة.
في ظل هشاشة الأرضية الرقمية السعودية، يبقى الاحتمال قائمًا أن تُسهّل هذه البنية عمليات الرقابة بدلًا من أن تعيقها. فضعف الأسس الأمنية قد يجعل من التجسس أكثر سهولة وأقل تكلفة.
وهكذا، يقف التحول الرقمي السعودي أمام مفترق طرق: إما أن يكون منصة للنهضة التقنية الحقيقية، أو أن يتحول إلى غطاء لتوسيع سياسات المراقبة والتجسس تحت شعار "التطور الرقمي".
ويبقى السؤال مفتوحًا: هل ستختار السعودية أن تُثبت للعالم أن النهضة الرقمية يمكن أن تسير جنبًا إلى جنب مع احترام الحقوق، أم أن شبح الرقابة سيظل يطارد كل خطوة في طريقها نحو المستقبل؟
أضيف بتاريخ :2025/12/03










