#تقرير_خاص: قبضة مشدودة على الفضاء الرقمي: بين خطاب الانفتاح وممارسة القمع
علي الزنادي
في خطوة أثارت جدلًا واسعًا، أعلنت هيئة تنظيم الإعلام في السعودية إحالة ستة من مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي إلى النيابة العامة، متهمةً إياهم بنشر محتوى “يؤجّج الرأي العام”. هذه الخطوة تأتي في سياق رسمي يبرَّر بحماية الاستقرار، لكنها في الواقع تعكس سياسة تضييق على الأصوات الناقدة، وتكشف التناقض بين خطاب الانفتاح والممارسة الفعلية.
السلطات استندت إلى المادة السادسة من نظام مكافحة جرائم المعلوماتية، التي تلوّح بعقوبات تصل إلى السجن خمس سنوات والغرامة بثلاثة ملايين ريال. هذه المادة، بصياغتها الفضفاضة، تمنح مساحة واسعة لتأويلات قد تُستخدم لإسكات أي صوت يخرج عن السردية الرسمية.
ورغم أن البيان لم يكشف عن جميع الأسماء، فقد تم تحديد ثلاثة من المعتقلين: فلاح المسردي، وفهد الرويس، وسلطان العطوي. هؤلاء ليسوا مجرد مستخدمين عاديين، بل وجوه مؤثرة على المنصات الرقمية، ما يجعل استهدافهم رسالة واضحة لبقية الفاعلين في الفضاء العام.
العطوي، وهو محامٍ، ظهر في مقطع فيديو يؤكد أن مقاطعة شركات “الراجحي” حق مشروع، بينما تناول الرويس والمسردي قضايا مرتبطة بوقف رواتب مستفيدين من الضمان الاجتماعي. هذه المواقف، وإن بدت في ظاهرها نقاشًا اجتماعيًا، جرى التعامل معها كتهديد أمني، وهو ما يثير تساؤلات حول حدود حرية التعبير في المملكة.
مصادر رقمية أشارت إلى أن أحد الموقوفين رفض طلبًا رسميًا بحذف مقطع من منصة “تيك-توك”، ليُقابل بعقاب سريع. هذا الموقف يكشف حساسية السلطات تجاه أي رفض علني، ويعكس طبيعة العلاقة غير المتوازنة بين الدولة والمواطن في المجال الرقمي.
ما يحدث يمكن وصفه بتوظيف مواد قانونية فضفاضة لردع النقاش العام، لا لحماية الاستقرار كما يُروَّج رسميًا. فبدلًا من أن يكون القانون أداة لتنظيم الفضاء الرقمي، أصبح وسيلة لتكميم الأفواه وإعادة إنتاج الخوف.
القضية تطرح سؤالًا جوهريًا: هل يمكن الحديث عن انفتاح حقيقي بينما يُعامل مُبدي الرأي باعتباره تهديدًا أمنيًا؟ الانفتاح لا يُقاس بالشعارات أو المشاريع الاقتصادية وحدها، بل بمدى قدرة المواطن على التعبير عن رأيه دون خوف من الملاحقة.
إن التضييق على النقاش العام يضعف الثقة بين المجتمع والدولة، ويحوّل الفضاء الرقمي من مساحة للتفاعل الحر إلى ساحة مراقبة ومعاقبة. وهذا التوجه، مهما بدا صارمًا، يحمل في طياته مخاطر على المدى البعيد، إذ يخلق فجوة بين الخطاب الرسمي والواقع المعيش.
في النهاية، لا يمكن بناء مجتمع منفتح دون الاعتراف بحق الأفراد في التعبير، حتى وإن كان هذا التعبير ناقدًا أو مزعجًا للسلطة. فحرية الرأي ليست تهديدًا للاستقرار، بل ضمانة له، لأنها تتيح معالجة المشكلات عبر الحوار بدلًا من القمع.
بهذا، تبدو القبضة المشدودة على الفضاء الرقمي في السعودية علامة فارقة: إما أن تكون خطوة نحو مزيد من الانغلاق، أو لحظة وعي تدفع لإعادة التفكير في معنى الانفتاح الحقيقي.
أضيف بتاريخ :2025/12/03










