#تقرير_خاص: تراجع الحريات في ظل حملات الاعتقال السعودي.. هل يُسهم القمع في بناء المستقبل؟
علي الزنادي
تشهد المملكة العربية السعودية في الآونة الأخيرة تصاعدًا ملحوظًا في حملة الاعتقالات التي تستهدف ناشطي الرأي والمواطنين العاديين على حد سواء، وسط حالة من التغيّر في خطط السلطات تجاه التعبير الرقمي. فوفقًا لحساب “معتقلي الرأي”، فإن السلطات شنّت خلال الأيام الماضية حملة اعتقالات واسعة استهدفت عشرات المواطنين، بمن فيهم قاصرون، بتهم تتعلق بأنشطة بسيطة على مواقع التواصل الاجتماعي.
ملاحقة هؤلاء المستخدمين تركزت بشكل رئيسي على نشر رسائل عبر تطبيقات مثل واتساب وتليغرام، فضلًا عن إعادة نشر منشورات قديمة لعلماء ودعاة سبق أن اعتقلتهم السلطة. وهو ما يبرز تطورًا خطيرًا في استراتيجية التضييق، حيث أصبحت أبسط أشكال التعبير الرقمي مبررًا للاعتقال، وهو أمر يدق ناقوس الخطر حول اتساع دائرة التجريم وتحول الفضاء الرقمي إلى ساحة صراع سياسي وأمني.
ومع أن الحكومة السعودية تروّج لمفاهيم “الإصلاح والانفتاح”، إلا أن هذا التوجه يواجه انتقادات متزايدة من المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية التي تعتبر أن تلك الاعتقالات تعكس واقعًا قمعيًا أكثر منه تصدّياً للتيارات المتطرفة أو حماية للأمن الوطني. فغياب الضمانات القانونية، وتوسع القبضة الأمنية، يُعَادلان بنظر الكثيرين خنقَ أصواتٍ كانت في الماضي تُعبر عن آراء شخصية أو تتعلق بحقوق المجتمع.
كما أن استمرار عمليات الاعتقال التعسفي يتناقض مع الشعارات التي ترفعها الحكومة عن التنمية والتحديث، ويكشف أن الحملة ليست إلا تكتيكًا لتكميم الأفواه وتقييد مساحة الحرية، حتى لو كانت تلك الآراء قديمة أو خاصة، فتصل إلى حد جَرِّمَة جميع أشكال التعبير الرقمي، سواء كانت مجرد مشاركة أو إعادة نشر.
هذه السياسة لا تقتصر على استهداف الأفراد ذوي الاتجاهات المعارضة فحسب، بل تستهدف طبيعة المجتمع ذاته، حيث يتحول الفضاء الإلكتروني إلى ساحة تصفية حسابات، يلجأ فيها الأمن إلى استخدام أي تفاعل إلكتروني كذريعة للاعتقال، حتى لو لنشر رسالة أو إبداء رأي بسيط.
وفي ظل غياب الحماية القانونية، يصبح المواطن عرضة للملاحقة والتوقيف، دون ضوابط واضحة أو محاكمة عادلة، وهو ما يفاقم الشعور بالإحباط واليأس بين فئات واسعة من المجتمع، ويؤدي إلى ترسيخ مناخ من الخوف العام.
وفي النهاية، فإن هكذا سياسات لن تفضي إلا إلى مزيد من التدهور في سمعة السعودية حقوقيًا، وتضييقًا من نطاق الحريات التي من المفترض أن تتنامى مع عملية الإصلاح. فبناء مستقبل يعتمد على قمع الأصوات وتكميم الأفواه لن يقود إلا إلى مزيد من الانغلاق والتراجع.
إن على السلطات أن تدرك أن حرية التعبير حق أساسي من حقوق الإنسان، وأن المبالغة في ملاحقة المستخدمين من أجل أبسط أشكال التعبير يضر بصورة السعودية الدولية، ويهدد باستمرار تدهور الواقع الحقوقي، ما لم تُتخذ خطوات جادة لإنهاء هذه الاعتقالات التعسفية وإعادة النظر في السياسات التي تُقوّض الحقوق والحريات.
أضيف بتاريخ :2025/12/04










