#تقرير_خاص: السعودية وتحوّل صناعة الألعاب: ترفيه أم محاولة للسيطرة؟
عبدالله القصاب
تشهد المملكة العربية السعودية تحركًا غير مسبوق نحو السيطرة على قطاع ألعاب الفيديو العالمي، في إطار سياسات ولي العهد محمد بن سلمان الرامية إلى إعادة تشكيل الاقتصاد والمجتمع عبر بوابة الترفيه. وبينما يُنظر إلى هذه الخطوة كجزء من استراتيجية تنويع مصادر الدخل بعيدًا عن النفط، فإنها تثير الكثير من التساؤلات حول دوافعها الحقيقيّة وجدواها على المدى الطويل.
تُقدَّر القيمة العالمية لصناعة ألعاب الفيديو بين 200 و300 مليار دولار، متفوقة على صناعات السينما والموسيقى مجتمعة، وهو قطاع يراه كثيرون فرصة ضخمة للمملكة لتعزيز مكانتها الاقتصادية والثقافية. عبر استثمارات ضخمة تقودها الدولة، تسعى السعودية إلى وضع قدم لها في هذا السوق السريع النمو، وذلك من خلال فعاليات وربما استحواذات مرتقبة، كمؤتمر “Kingdom of Gaming” المرتقب.
وسبق أن أعلنت السعودية عن صفقات كبرى، مثل استحواذ صندوق الاستثمارات العامة على شركة “إلكترونيك آرتس” مقابل 55 مليار دولار، وهو ما يعكس رغبة واضحة في السيطرة على جزء كبير من صناعة الألعاب، التي تمتد من الألعاب الحربية إلى الرياضات الإلكترونية والفورمولا 1. هذا الطموح يوضح أن الأمر لا يقتصر على تعزيز الاقتصاد فحسب، بل يمتد إلى تعزيز النفوذ العالمي للمملكة في مجال الترفيه.
لكن، يرافق هذا التوجه تساؤلات حيوية حول مدى جدية هذه الاستثمارات ومدى انعكاسها على المجتمع السعودي. فبالرغم من أن الشباب يشكلون نحو 71% من السكان، وتوجد أكثر من 23 مليون لاعب، فإن تلك الخطوات بدت، في جانب منها، محاولة لشراء الولاء السياسي من خلال استثمارات ترفيهية، بدلاً من فتح آفاق سياسية أو إصلاحات اجتماعية حقيقية.
وفي ظل ارتفاع الإنفاق على مشاريع ترفيهية ضخمة، تظل قضايا البطالة، وغياب الحريات، والتفاوت الاجتماعي دون حلول جذرية. فتلك السياسات تثير الشكوك حول مدى استفادة المجتمع السعودي من هذا التوجه، وهل هو فعلاً تلبية لاحتياجات الشباب، أم مجرد محاولة لصرف الأنظار عن ملفات داخلية حساسة.
كما أن التركيز على صناعة الترفيه، وتحديدًا ألعاب الفيديو، يُنظر إليه أحيانًا على أنه جزء من استراتيجية “الإلهاء المنظم” التي تهدف إلى تحييد المعارضة الداخلية، وتفادي الإصلاحات التي قد تهدد استقرار السلطة. هذا النهج يطرح أسئلة حول مدى جدية الإصلاحات الحقيقية، أو أنها مجرد أدوات لتثبيت النظام في مواجهة التحديات.
وفي النهاية، فإن السعودية تقف عند مفترق طرق، بين استثمارها في قطاع الألعاب كوسيلة للتنويع الاقتصادي، وبين استخدامها أداة للسيطرة الاجتماعية والسياسية. فهل ستنجح في تحقيق توازن يضيف قيمة حقيقية لمجتمعها، أم أن طموحها في السيطرة قد يؤدي إلى مزيدٍ من التحديات الداخلية على المدى البعيد؟
ختامًا، تبقى هذه الخطوات بمثابة اختبار حقيقي لمدى قدرة السعودية على البناء على فرص عالمية دون أن تغرق في مغامرات استثمارية غير محسوبة، تتجاهل واقع حقوق الإنسان والتنمية الاجتماعية، وتظل مسألة الانتقال إلى عصر جديد من التحديث أكثر تعقيدًا مما يظهر على السطح.
أضيف بتاريخ :2025/12/23










