#تقرير_خاص: السعودية واليمن.. تآكل النفوذ وخيارات محدودة في معركة المصالح
علي الزنادي
في سياق التحولات الميدانية والسياسية الراهنة، تواجه المملكة العربية السعودية مرحلة متقدمة من تآكل نفوذها في اليمن، وهو أمر يثير العديد من التساؤلات حول مستقبل تدخلها واستراتيجيتها في هذا البلد المضطرب. فقد أ冸 التقدم السريع للمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيًا في الجنوب، خاصة في حضرموت والمهرة، شكّل صدمة حقيقية للرياض، وأربك حساباتها في مناطق كانت ترى فيها نفوذها محصنًا.
هذا التطور لم يقتصر على الميدان العسكري فحسب، بل امتد إلى المشهد السياسي، حيث عجزت المحاولات الدبلوماسية والعسكرية، بما في ذلك زيارة الوفد السعودي الإماراتي إلى عدن، عن إعادة ضبط الأوضاع، مما يعكس ضعف الحضور السعودي على الساحة الجنوبية اليمنية. وعلى الرغم من محاولات تعزيز الوجود عبر قوات “درع الوطن” المنسحبة نحو مأرب ومناطق الشمال، فإن ذلك لم يثمر عن نتائج ملموسة في إعادة التوازن المفقود.
من جهة أخرى، يبرز تداخل المصالح بين أبو ظبي والسلطات المحلية في اليمن، حيث تسيطر قوات المجلس الانتقالي على مناطق واسعة، الأمر الذي يُعقد من مهمة الرياض ويزيد من هشاشة وضعها. ذلك يعكس فشلاً واضحًا في بناء شبكة وكلاء محليين قادرين على ضبط النفوذ، خاصة مع ضعف مجلس القيادة الرئاسي اليمني الذي يفتقر إلى النفوذ الفعلي على الأرض، مما يترك السعودية في موقف ضعف متزايد.
وفي ضوء هذه التطورات، تبدو المملكة عالقة بين خيارين رئيسيين: إما الاستمرار في دعم القوى المحلية الساكنة على الارض، وهو خيار محفوف بالمخاطر، أو محاولة إعادة ترتيب أوراقها بطريقة مختلفة، وهو أمر قد يحتاج إلى تغييرات استراتيجية جذرية. الأمر الذي يثير تساؤلات حول مدى قدرتها على التصدي لهذه التحديات، خاصة في ظل ضعف صورتها الدولية وكلفة التدخل المستمرة.
وفي الوقت الذي تتراجع فيه السيطرة السعودية لصالح الإمارات، تبرز مخاوف من أن يتحول اليمن إلى ساحة لصراع نفوذ جديد، يهدد الاستقرار الإقليمي بأكمله. إذ أن استمرار التآكل في النفوذ السعودي لن يؤثر على اليمن فحسب، بل سيُضعف مركز المملكة الإقليمي، ويفتح الباب أمام مزيد من التصعيد المحتمل على المستويين السياسي والأمني.
من المهم أيضًا أن تدرك الرياض أن التجربة أثبتت قصور رؤيتها في إدارة الملف اليمني، وأن الاعتماد على سياسة تقاسم النفوذ مع قوى محلية متصارعة قد لا يكون الحل الأمثل، خاصة إذا ما أدت إلى مزيد من التفتت والفوضى. فهل ستعيد السعودية تقييم استراتيجيتها وتنظر في خيارات جديدة، قد تشمل التفاوض المباشر مع القوى المعنية، أو حتى تخفيف تدخلها، لمحاولة المحافظة على مصالحها بشكل أكثر حكمة ومرونة؟
وفي النهاية، يتضح أن المستقبل أمام السعودية في اليمن يتطلب رؤية شاملة ومراجعة جريئة للاستراتيجية. فالتآكل المستمر لنفوذها يهدد مصالحها، ويضعها أمام واقع جديد يتطلب مرونة في التعامل، وربما إعادة النظر في أدواتها وأهدافها في هذا الملف الإنساني والسياسي المعقد. فهل تتمكن الرياض من التعلم من تجربتها، وتبني خطة أكثر ذكاءً وواقعية، أم ستظل عالقة بين خيارات محدودة، تزداد ضيقًا مع مرور الوقت؟
أضيف بتاريخ :2025/12/28










