تقرير خاص: التضييق على رجال الدين في #البحرين.. خنق للحريات وسياسات غير مبررة
تكفل الدساتير والقوانين والاتفاقيات الدولية الراعية لحقوق الإنسان حرية إبداء الرأي وحرية الاجتماع وحرية تأليف الجمعيات والأحزاب السياسية، كما تكفل الحق بالانتساب إلى هذه الجمعيات طالما أنها تعمل وفقا للقوانين، فوجود الأحزاب ودورها في المجتمع يعتبر أحد المعايير لتقييم العمل الديمقراطي والسياسي في أي دولة.
فالأحزاب والجمعيات السياسية هي عملة ذات وجهين: الأول أنها تعتبر انعكاس لواقع المجتمع في الدولة، والثاني أنها تساهم في صناعة الرأي العام والتأثير فيه، وتشكل هذه الجمعيات صلة الوصل بين المؤسسات أو النظام الحاكم وبين المواطنين وبالتالي هي تعبر عن رغبات هؤلاء بوجه الدولة وقد تعكس مشاريع وطروحات النظام لدى الشعب بحيث تروج لأفكاره وسياساته وتكسبها الشعبية ومن جهة ثانية قد تؤثر الأحزاب برفض ما قد تعتبره سياسات خاطئة لا تنفع الناس ولا الوطن.
هل يجوز منع الانتساب للجمعيات السياسية؟
وفي الأنظمة الديمقراطية يكون للأحزاب السياسية الدور الكبير في اختيار الحكام وذلك عن طريق تسمية المرشحين وتولي الحملة الإنتخابية، كما أن الحزب هو الذي يشكل الرأي العام ويقوده، وانطلاقا من هذا لا يجوز في زمننا المعاصر حرمان أو منع شخص من حق الانتساب إلى حزب سياسي أو جمعية سياسية تحت أي مبرر من المبررات أو لأي سبب من الأسباب، خاصة إذا كانت هذه الأسباب "اعتباطية" يقدرها الحاكم باستنسابية مطلقة خارجة عن أي قيد قانوني أو شرعي، والأمر لا يحتاج إلى كثير من الشرح والتفصيل، لأنه لا يجوز منع شخص من العمل السياسي فقط لأنه يخالف الرأي السياسي للحاكم أو لنظام الحكم، وبعد ذلك لا يهم سواء كان هذا الشخص من عامة الناس أم من المثقفين أو من أصحاب المهن الحرة أو حتى من رجال الدين، فهل يجوز مثلا منع رجل دين من إبداء موقفه السياسي أو الانتساب إلى حزب سياسي؟ وبأي حق يمنع هذا الإنسان من حق تقرره له كل الأنظمة والقوانين والأعراف والأديان في العالم؟.
المدخل لطرح هذه التساؤلات هو منع السلطات البحرينية رجال الدين من الانتساب إلى جمعيات سياسية، وقد حدد المنع برجال الدين الذين يعتلون "المنبر الديني" بحسب التوصيف الذي اعتمدته السلطات البحرينية وضمنته في تعديلات أدخلتها على القوانين بما يُشكل انتهاكا صارخا للحريات وبما يُعتبر تعسفا واضحا يعبر عن رغبة ورأي النظام الحاكم وإن ألبسه لبوس "التشريع"، فالعملية هنا لا تعدو كونها "قوننة" لإرادة الحاكم وتكريس لرغباته بنصوص تشريعية مكتوبة، فالقانون في هذه الحالات يصنعه الحاكم المطلق دون أي رقابة تشريعية أو قضائية حقيقية.
المنع من الاهتمام بالسياسة وخوف النظام البحريني!!
والحقيقة أن منع رجال الدين الذين يعتلون المنبر من الانتساب إلى أحزاب أو جمعيات سياسية قد يستتبعه بعد ذلك منعهم من التحدث أو الاشتغال أو الاهتمام بالسياسة، وكأن المطلوب من هذه الفئة الفاعلة في المجتمعات ترك أمور الناس واهتماماتها والذهاب للبحث في أمور نظرية لا تمت إلى الواقع بصلة، وهذا ما يؤكد أن من يقف خلف هذه القرارات التي "تقونن" ويتم جعلها تشريعات هدفه إبعاد رجال الدين عن التأثير في الرأي العام أو منعهم من صناعة رأي عام يفقه ربما مكامن الخلل في الحياة العامة في البحرين، فما أسباب هذا الخوف طالما أن النظام لا يخالف القانون والتشريعات ويحترم حقوق الناس ويحافظ على المواطنة الحقة في البلد؟ أليس خوف النظام البحريني من رجال الدين بهذه الطريقة يثير التساؤلات عن مدى سلامة أحوال الحريات والحياة الديمقراطية في البحرين؟ فلو كانت فعلا السلطات البحرينية تحافظ على حقوق شعبها وترعى الحريات ولا تمس بالمواطنة، هل تخاف من خروج رجال الدين إلى المنابر والتكلم بالسياسة وتناولها من ألفها إلى يائها؟
الوصاية على دور العبادة.. تعسف واضح
وحول ذلك، أكد "منتدى البحرين لحقوق الإنسان" أن "التعديلات التي أقرها مجلس النواب البحريني والتي تقضي بمنع من يعتلي المنبر الديني من الانضمام للجمعيات السياسية هي تشكل تعسفا تشريعيا واضحا يخالف المادة 27 و31 للدستور البحريني والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، وأوضح أن "هذه التعديلات الدستورية تعد انتهاكا واضحا لحق المواطنة المتساوية في مصادرتها للحقوق السياسية لمن يمارس الدور الديني ما يعد انحرافا في استعمال السلطة التشريعية".
هذا الوضع الجديد الذي تحاول السلطات البحرينية تكريسه يلقى معارضة جادة من البحريين أنفسهم وبالأخص رجال الدين، لأنه لا يمكن منع هؤلاء من التداول في الأمور السياسية العامة لأن هذه المسائل تهم المجتمع وتمسه في الصميم ولا يمكن فصلها عن يوميات الإنسان، فلا فصل هنا بين الدين والشؤون العامة خاصة عندما يكون الأمر يتعلق بالدين الإسلامي الذي ينتمي له غالبية الشعب البحريني، لذلك أكد "كبار علماء البحرين" رفضهم القاطع لـ"أيّ شكل من أشكال الوصاية الرسمية على المساجد والحسينيات والحوزات ووفق أي مسمى من المسميات وأي عنوان من العناوين"، وأضافوا أن هذا الكلام ينطلق من "القناعة الشرعية التي تفرض علينا أن نحافظ على أهداف الرسالة وغايات الشريعة ومصالح الشعوب والأوطان".
طالما سجل على السلطات البحرينية خرقها للحريات العامة والحقوق الأساسية للمواطنين سواء تلك المدنية أو الدينية، دون أدنى إدراك لمدى خطورة ذلك على العلاقة بين المواطن والدولة أو الحاكم والرعية التي لن يكون الود هو المتحكم بها بل النفور والتباعد، لذلك فالطريقة المُثلى التي يجب اعتمادها من قبل السلطات المعنية في البحرين هو الكف عن سياسة الاضطهاد السياسي للمواطنين والتضييق عليهم بشروط وقيود إضافية يوما بعد يوم والمبادرة للسماح لهم بممارسة حقوقهم المدنية والدينية بحرية مطلقة لأن من شأن ذلك زيادة الثقة المفقودة حاليا في البحرين والتي تسببت بها ممارسات النظام هناك منذ سنوات طويلة.
أضيف بتاريخ :2016/05/24