تقرير خاص: كلام #المشنوق تعرية لسياسات #المملكة.. ماهي التحولات الجديدة؟
بوضوح تام تحدث وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق عن تحديد الرياض للتوجهات السياسية الخاطئة لفريقه السياسي ولرئيس "تيار المستقبل" النائب سعد الدين الحريري، ما يؤكد المؤكد أن الحديث والتغني بالديمقراطية والحرية والسيادة وعدم التدخل في شؤون الآخرين، ليست سوى شعارات رنانة تستخدم هنا وهناك من قبل من المملكة ومن يتبعها أو "يتحالف" معها، بينما الواقع مختلف تمام.
وبالوضوح نفسه أكد المشنوق أن ما يعانيه اليوم "تيار المستقبل" ورئيسه من أزمة واضحة برزت بشكل جلي عبر نتائج الانتخابات البلدية الأخيرة، سببه السياسات السعودية والخيارات الخاطئة التي كانت تلزم بها القيادة السعودية سعد الحريري وتياره، بالإضافة إلى أن المعلومات الواردة تؤكد أن الحريري اليوم يعاني من أزمات مالية تزيد من مآزقه السياسية، وأحد أهم أسباب هذه الأزمة هو الحصار المالي الذي يفرض عليه بقرار رسمي سعودي عبر "تقطير" الدعم ومحاولة ضرب شركة "سعودي أوجيه" وتجفيف مصادر تمويلها، وهي التي تعتبر إحدى أهم الموارد المالية لـ"الحريرية" منذ أيام الرئيس الراحل رفيق الحريري.
فشل سعودي.. من اليمن إلى سوريا
ولكن المشنوق من حيث يدري أو لا يدري فإنه وضع الأصبع على الجرح في الأزمة المشتركة التي يعاني منها فريقه اللبناني والمشغل له خارجيا أي المملكة السعودية، فمن باب رفع المسؤولية عن سعد الحريري فيما يتعلق بالأخطاء المرتكبة على الساحة وجهت أصابع الاتهام إلى من يدير اللعبة من خارج الحدود، ما يظهر فشل هذا "المدير" السعودي في قراءة الواقع السياسي جيدا وهذا ما ينطبق عليه الأمر بالنسبة للمنطقة بشكل عام.
هذا التخبط السعودي يمكن الاستدلال عليه أيضا عبر ما نشر من كلام لولي العهد السعودي محمد بن نايف آل سعود في صحيفة "الوطن" السعودية قبل أي يتم حذفه بحجة حصول "قرصنة" لموقع الصحيفة الالكتروني، ومما نقل عن بن نايف ويؤكد الأزمة السياسية لدى القيادة السعودية هو الفشل في توصيف حقيقة الأمور من اليمن إلى سوريا، ففي حين تفاجأت المملكة بصمود الشعب اليمني وأتت نتائج الحرب على الجار اليمن يغير ما تشتهي نفوس من اتخذوا قرار الحرب، أكد بن نايف أن الرهان على إسقاط النظام السوري كان بالاعتماد على الجهود الأمريكية والتركية التي تأكد فشلها حتى الآن بعد ما يزيد عن خمس سنوات من بدء الأزمة السورية.
وبالعودة إلى كلام نهاد المشنوق الذي اعتبر تاريخيا ممن له علاقة جيدة بغرف صنع القرار في المملكة السعودية، وهذا يؤكد على أن شيئا ما يحصل في الكواليس بين السلطات المعنية في المملكة وأتباعها وذيولها في بلدان المنطقة كلها، فقبل أيام خرج وزير الخارجية السعودي عادل الجبير ليقول إن اليمنيين ليسوا إلا جيران المملكة، وتزامن ذلك مع ذهاب "وفد الرياض" للتفاوض حول الأزمة اليمنية، ما اعتبره كثيرون إعلان سعودي عن فشل تام في اليمن، كما أن كلام المشنوق يعتبر حدثا نادرا حيث يخرج من ينفذ السياسة والأوامر السعودية ليعترض بهذه الطريقة على سوء الإدارة من الرأس المشغل في الرياض، فالمشنوق انتقد المملكة قائلا إن "السياسة السعودية دفعتنا إلى خيارات لم نرضِ بها ومنها زيارة الرئيس سعد الحريري لسوريا"، مشيرا إلى أن "ترشيح النائب سليمان فرنجية(لرئاسة الجمهورية في لبنان) لم يولد لدى الحريري وإنما في الخارجية البريطانية مروراً بالأمريكيين وصولاً إلى السعوديين فالرئيس الحريري"، وذكّر أن "الحريري رشح العماد ميشال عون في وقت سابق فقالت السعودية آنذاك ما لا يقال وفعلت ما لا يفعل".
ما الهدف من التدخل السعودي في شؤون الآخرين؟
هذا الانتقاد الفاضح لسياسة المملكة السعودية استدعى ردا من سفيرها في لبنان علي عواض عسيري الذي استغرب "مواقف المشنوق وإقحامه المملكة في عدد من الملفات الداخلية"، وقال إن "المملكة لم ولن تتدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية ولا سيما ملف رئاسة الجمهورية.. وأن دور المملكة يقتصر على تشجيع المسؤولين اللبنانيين على إيجاد حل للأزمة السياسية...".
كما أصدرت السفارة البريطانية في لبنان بيانا قالت فيه إن "انتخاب رئيس للجمهورية هو قرار ومسؤولية اللبنانيين وأن بريطانيا لا تدعم أو تعارض أي مرشح محدد لرئاسة الجمهورية..."، كل هذا الكلام الدبلوماسي البريطاني والسعودي لا بدَّ أنه من باب رفع العتب السياسي والإعلامي أمام الرأي العام مما لا يجدي نفعا في إقناع أحد بمضمونه، وهذا يبين مدى الارتباك الذي يسود جو الفريق السعودي وكل من يدعمها أو يتحالف معها في مواجهة تطورات المنطقة المتسارعة، ويبدو أن هذا الفريق ليس لديه سوى القدرة على "التخريب" لا البناء والتقدم، وهذا ما تثبته الأحداث المتتالية من اليمن إلى العراق مرورا بسوريا وصولا إلى لبنان، وإلا كيف نفسر تدمير اليمن ودعم الجماعات الإرهابية وإفلات "الوحش التكفيري" من عقاله في أكثر من دولة بينما يتم تفشيل كل محاولات الترميم السياسي السلمي لأي أزمة من أزمات المنطقة المشتعلة، وما الهدف من تعمد إيصال الأمور إلى حد التطرف والقضاء على كل من يبحث عن نقطة تلاقي مع الآخر أو إفشال أي حوار بين الافرقاء في أي بلد من بلدان المنطقة؟ هل الهدف هو تعميم حالة الفوضى الهدامة أم دفع الجماعات الظلامية الإرهابية إلى الانتشار على أكبر مساحة ممكنة في العالمين العربي والإسلامي لتدميرهما وتشويه صورتيهما أمام الكون كله؟
تبدلات في النفوذ السعودي.. ولكن؟
وعلى الصعيد السياسي، هل بتنا أمام واقع جديد في لبنان والمنطقة حيث سيظهر لنا في المستقبل حصول تغيرات ما في التحالفات أو خريطة النفوذ السعودي في المنطقة، وما ظهر في لبنان من قبل الوزير نهاد المشنوق هو أول الغيث؟ فهل أن كلام المشنوق هو كلام محسوب بدقة أم أنه مجرد رأي صادر في لحظة حماسة زائدة أو غضب عابر بسبب نتائج الانتخابات البلدية الأخيرة؟ فهل الموضوع هو ردة فعل من الحلفاء على المملكة أم أن الأمر هو العكس تماما؟ بحيث تقوم الرياض اليوم بـ"تبديل" طقم الحلفاء والتابعين لها هنا وهناك بما تعتقد أنه يخدم مصالحها في الفترات المقبلة؟ وهل نتائج الانتخابات البلدية وصعود نجم الوزير أشرف ريفي(الذي يفترض أنه محسوب على تيار المستقبل) يحمل في طياته بروز وجوه جديدة ستستبدل بمن سبقها من حلفاء الرياض مع أفول نجم شخصيات كانت تعتقد نفسها أصحاب الدلال الكامل لدى المملكة؟
بكل الأحوال فإن كلام نهاد المشنوق لم يأت من فراغ وهو الذي قال في كلامه أنه "يعرف ماذا يقول"، وهو بالتأكيد لديه من المعطيات ما يكفي لانتقاد سياسة ما عادت تدر على المملكة ولا على حلفائها أو التابعين لها سوى الويلات والخسائر من كل الأصناف والأحجام من دون أن يكون هناك حكماء يديرون اللعبة السياسية بميزان دقيق لحساب الأرباح والتكاليف، ما يستدعي إعادة مراجعة فعلية لكل السياسة السعودية على مختلف المستويات دون استثناء.. وإلا فإن المستقبل لن يكون ورديا للمملكة أو لساستها الذين كما يبدو بدأت تكر سبحة الانتقادات لهم ولم تعد المسألة تقتصر على الأمريكيين والأوروبيين بل انتقلت إلى من كانوا يعتبرونه في يوم من الأيام في موقع المتلقي للأوامر لا المصدر للانتقادات...
أضيف بتاريخ :2016/06/04