تقرير خاص: تصعيد #النظام_البحريني.. عقاب جماعي وإسقاط للمحرمات
ليس غريبا على السلطات البحرينية اتخاذ الخطوات التي تحد من حريات الشعب في مختلف المناطق والبلدات في الجزيرة المحاطة بالمياه وبإجراءات النظام التعسفية منذ عشرات السنين، رغم أن التصعيد الخطير الذي يحصل في البحرين اليوم لا يجد ما يبرره بأي شكل من الأشكال، فما الذي يدفع السلطات هناك إلى اعتبار الصلاة في العاصمة المنامة مظهرا من مظاهر التجمعات غير القانونية وصولا لحد التهديد بمنع الصلاة في مساجد العاصمة؟ في بلد من المفترض أنه يصنف بلدا إسلاميا!!
وهذا الأداء السلبي اتجاه الصلاة لم يكن هو الوجه الوحيد من أوجه التصعيد بل جاء بعد سلسلة من الممارسات التي يبدو أنها ستستمر في الفترة المقبلة، فمن فصل الدين عن السياسية ومنع رجال الدين الذين يعتلون من المنابر من التكلم بالسياسة إلى إغلاق مكاتب جمعية "الوفاق" ومنع نشاطاتها وحل جمعيتي التوعية والرسالة وصولا إلى المساس بالشعائر الدينية الأبرز للمسلمين أي الصلاة ومنع إقامتها مرورا بتشديد العقوبة على الشيخ علي سلمان واعتقال الحقوقي نبيل رجب واستدعاء العديد من رجال الدين للتحقيق معهم.
وقد توجت السلطات البحرينية قراراتها التعسفية التصعيدية بقرار سحب الجنسية عن الشيخ عيسى قاسم الذي يعتبر من أهم المرجعيات الدينية في البلاد ما يعتبر تخطيا لكل "الخطوط الحمر" وإشارة في غاية السلبية على المنحى الخطير الذي قد يأخذه المسار الحقوقي والسياسي في البحرين، خاصة أن وزارة الداخلية البحرينية زعمت أن سحب الجنسية من الشيخ قاسم "أتى في سياق مواجهة كافة قوى التطرف لمرجعية سياسية دينية خارجية"، فهل بهذه الطريقة تكرم رموز البلاد الحقيقية؟ وهل بهذه الطريقة يمكن القول أن النظام في البحرين يريد التحاور والتلاقي مع الشعب؟ أم أنه يرسل إليه آخر الإنذارات قبل الدخول في مرحلة جديدة من التصعيد الخطير؟ علما أن الشيخ قاسم هو ضمانة حقيقية لحاضر البحرين ومستقبله لما يمثله من مقام ديني رفيع وموقع كبير على مستوى الوطن والأمة حيث يعيش في وجدان وعقل الشعب البحريني .
انتقادات بالجملة.. وإقفال باب التلاقي!!
كل ذلك جعل سلطات البحرين محل انتقاد حتى من أبرز داعميها أي الولايات المتحدة الأمريكية التي عبرت على لسان المتحدث باسم وزارة خارجيتها جون كيري عن قلقها من "تدهور الوضع الحقوقي في البحرين"، وأضافت "لدينا مخاوف بشأن حالة حقوق الإنسان في البحرين وباستمرار القيود المفروضة على التجمع السلمي والنشاط السياسي وتجريم حرية التعبير..."، واعتبرت أن "البحرين تسير باتجاه مثير للقلق ونحن سنستمر في تعبيرنا عن قلقنا للمملكة حول هذا الموضوع".
كما انتقدت منظمات حقوقية ممارسات النظام البحريني، وفي طليعتها منظمة "هيومن رايتس ووتش" التي قالت "لا ينبغي لأحد أن يتوهم حول نوايا حكام البحرين فهي ليست أقل من إنهاء حياة حركة المعارضة السلمية في البلاد"، وتابعت "يجب على حلفاء البحرين في لندن وواشنطن وغيرها من البلاد إدانة هذه الأفعال علنًا وجعل البحرين تدرك أنّه سيكون هناك عواقب لها"، كما أن "منظمة العفو الدولية" أشارت إلى ان "البحرين تبدد وهم وجود أي مكان لحقوق الإنسان والإصلاح في جدول أعمالها الحالي...".
قرارات استفزازية وتهور مدروس؟!
فكل هذا الذي تقوم به السلطات في البحرين هو بمثابة عقاب جماعي لكل شرائح الشعب هناك بما يترك مجالا للشك أن هناك قرار متخذ سلفا للتصعيد اللامتناهي مع كل من لا "يبصم بالعشرة أو يوقع على بياض" على كل ما يقرره الحاكم، وتماشيا مع ذلك جاء الدعم من بعض الأشقاء في "مجلس التعاون الخليجي" وفي مقدمتهم المملكة السعودية التي أكدت دعم البحرين فيما تتخذه من إجراءات "للحفاظ على أمنها واستقرارها وسلامة مواطنيها وبما يصون وحدتها ونسيجها الاجتماعي"، بالطبع هذا الموقف السعودي ليس مفاجئا للكثيرين باعتبار أن سيناريو انتهاك الحقوق والحريات المعمول به في البحرين هو نسخة طبق الأصل لما هو عليه الوضع في المملكة السعودية.
ويبدو أن السلطات البحرينية تعمل بجد لتعقيد الأمور في البلاد عبر اتخاذها القرارات التصاعدية الاستفزازية دون ترك أي باب للحوار أو التفاوض، ما يدفع للتساؤل إلى أين تريد هذه السلطات أن تصل في نهاية المطاف وما هو الهدف الحقيقي من وراء التصعيد في هذه الفترة؟ علما أن من يريد الإصلاح أو تهدئة الأجواء يمكنه السير في الكثير من المخططات الأخرى غير الذهاب بعيدا في استفزاز الناس والقيادات السياسية والدينية في البلاد، وربما أن سلمية البحرينيين وعقلانيتهم ووعيهم هي التي تدفع بالنظام إلى مزيد من "التهور المدروس" لجر الناس إلى "صِدام منشود" كي يقال للعالم أجمع أن نظام البحرين يتعرض لهجمات واعتداءات من معارضة غير سلمية ولتدخلات خارجية تبرر له "الضرب بيد من حديد" والاستعانة بـ"الأشقاء" والحلفاء..
وعلى هذا المنوال يمكن نسج الكثير من المخططات التي ترسم للبحرين، بما يؤكد أن الرؤوس الحامية هي التي تتحكم بقرار السلطة السياسية هناك وبالتالي يجب تبريدها عبر التعقل وطلب ما يمكن قبوله من الناس كي يستطيع الشعب التجاوب مع ما تطلبه السلطة، أما المس بالعقائد وركائز الدين والتعرض لقامات دينية وسياسية كبيرة، فهذا يعني إغلاق كل سبل التلاقي لأنه لا أحد في هذا العالم يقبل بقرارات وممارسات استهداف دين بعينه أو مذهب بذاته، خاصة أن التاريخ يشهد أن الأديان لا تشطب بأفعال وتصرفات ظالمة سرعان ما سيعود التاريخ نفسه لإصلاح اعوجاجها ولو بذلت الأرواح في سبيل ذلك.
الرد.. سلمية، ولكن؟!
وانطلاقا من هذا، فقد دانت "رابطة علماء البحرين" الممارسات "القمعية الإرهابية التي تمارسها السلطات ضد الشعب ومكوناته الدينية والسياسية"، واعتبرت أن "التطوّرات الأخيرة إعلان حرب على المعارضة السياسيّة السلميّة"، وأكدت أن "السلطة تخطئ عندما تظنّ أنّها بهذه الممارسات القمعيّة تستطيع إنهاء حَراك الشعب".
ولكن قد يسأل سائل كيف سيكون رد الشعب البحريني على كل هذا التصعيد من قبل النظام؟ حول ذلك تعتبر مصادر متابعة للشأن البحريني أن "لا خيار أمام الشعب البحريني سوى الاستمرار بالحراك السلمي والعمل لامتصاص هذه الانفعالية والقسوة التي تتضمنها ممارسات النظام"، ودعت "للعمل لفضح النظام الحاكم أمام العالم والتشهير بأفعاله القمعية أمام الرأي العام العالمي والإشارة غلى التواطؤ الإقليمي والدولي والأممي الساكت حيال القمع والاضطهاد في البحرين والذي يعرض المنطقة إلى الخطر كون الإجراءات القمعية والتصعيد من قبل النظام ينذر بانفجار كبير"، مؤكدة في الوقت عينه على ضرورة التحرك السلمي العام والشامل لوقف تصعيد النظام وأخذ البلاد إلى المجهول".
فكل من يتحدث أو يتابع الشأن البحريني يؤكد أن ما يقوم به النظام يخالف كل الأعراف والقواعد القانونية والدين والأخلاقية ويشكل اعتداء صريحا على حقوق الشعب البحريني المطالب بحقوقه المشروعة بسلمية وتشكل انتهاكا لحرياته التي تكفلها القوانين الدولية، فماذا ينتظر العالم كي يتدخل فعلا لإيقاف هذا النزف من رصيد الإنسانية في البحرين؟ أم أن هناك من يعطي الضوء الأخضر إقليميا ودوليا لمزيد من تأجيج النار في المنطقة من بوابة البحرين؟
أضيف بتاريخ :2016/06/20