الإرهابيون والعشر الأواخر
محمد علي العطاف ..
بعد ما كان السعوديون كغيرهم من شعوب الأرض يتابعون بأسى ما يحدث من أعمال إرهابية خلال الأيام الماضية في شتى أنحاء العالم مثل: بنجلاديش وتركيا والعراق وغيرها، صدموا يومي الأحد والاثنين الماضيين بأنباء عن أعمال إرهابية بجوار القنصلية الأمريكية بجدة، ومدينة القطيف، وطيبة الطيبة مدينة الرسول الكريم.
الغريب أن هذه الأعمال المشينة تزامنت مع العشر الأواخر، فيبدو أن الإرهابيين يفضلون الانتحار في أيام العتق من النار استنادا إلى الحديث الشريف (أول شهر رمضان رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار)، هذا الحديث ضعفه الألباني والدارقطني وغيرهما، وليس هذا لب حديثنا.
الذي يدعو للتفكر والاهتمام هو أن الإرهاب لا يرتبط بمكان وليس موجها ضد طائفة بعينها أو جنس أو بلد، الإرهاب موجه ضد البشرية وضد الحياة، فبينما الناس ينتظرون العيد فرحين بصيام الشهر وقيامه نجد أن الإرهابي ينتظر أن يحل عليه العيد وهو في الجنة مع الحور العين!
الإرهابي شخص بسيط في تفكيره تعرض لأمور كثيرة أوصلته إلى هذه الحالة التي يقتل فيها نفسه وهي أغلى ما يملك الإنسان ناهيك عن قتل أقاربه وأفراد مجتمعه.
يبرز هنا موضوع الأمن الفكري وهو موضوع مطروق وحديث الساعة وقد تناوله الكثير من المفكرين والباحثين بناء على أدبيات كل منهم ومعتقداته وأفكاره ويريد أن يفصل أمنا فكريا خاصا به وبمجتمعه ولهذا لم يقاوم الإرهاب فكريا كما يجب.
في الحقيقة الأمن الفكري يجب التعاطي معه وتعريفه من منظور عالمي وعدم التوقف عند عقد الاجتماعات الإقليمية والدولية والخروج بقرارات متفق عليها واجبة التنفيذ، لأن العالم دون استثناء يعاني من الإرهاب ولا يوجد أي بلد بمنأى عن هذا الداء العضال.
الإستراتيجية المضادة للإرهاب يجب أن لا تخلو من تجريم الطائفية في كل بلاد الدنيا، وسن قوانين تمنع القدح في معتقدات الناس الدينية والمذهبية، كما يجب إنشاء مركز عالمي لمكافحة الإرهاب يتم خلاله تبادل المعلومات بين الدول والمنظمات، وأيضا مراقبة حركة الأموال بشكل دقيق سواء على المستوى الوطني أو الدولي لأنه لا إرهاب بدون دعم مادي، وأخيرا وليس آخر وضع قيود عالمية على الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي وتجريم كل من يسوق للإرهاب عبر هذه الوسائل سواء كان فردا أو منظمة أو دولة.
إنه من غير المعقول أن يقف العالم بجيوشه وعلمائه وتقنياته عاجزا عن مكافحة الإرهاب الذي لم يسلم منه أحد إلا إذا كان الإرهاب تستخدمه الدول لتنفيذ أجنداتها الخاصة فهذا محتمل، ولكنه خيار خاسر.
قد يأتي من يقول إن الأمن الفكري مفهوم شامل لا يقتصر على الإرهاب فقط فهو يعني أيضا محاربة الأفكار التي تدعو إلى التحلل من الثوابت والعادات التي تعتبر من أهم مصادر القوة الوطنية، وهذا صحيح ولكني أرى أن الأمن الفكري في هذه المرحلة معني بالإرهاب والأفكار المؤدية إليه أولا، نظرا لخطورة التهديد وحجمه.
إن حدوث الأعمال الإرهابية المتعددة في العشر الأواخر من رمضان هذا العام تحتم علينا كمواطنين وكدولة تكثيف الحس الأمني، مستقبلا، خلال العشر لأنه يبدو أن الإرهابيين لا يحتملون الانتظار إلى العيد، ويفضلون تأدية المهام الموكلة إليهم من قبل دعاة جهنم قبل العيد!
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2016/07/07