تقشف مؤقت أم حالة دائمة؟
د. صالح السعيدي ..
مع التراجع الكبير في أسعار النفط خلال العامين الماضيين تأثرت موازنات الدول الخليجية بشكل حاد، وتحولت فوائض الميزانيات التي تعتمد على صادرات النفط إلى نقص فادح في الإيرادات المحصلة، فأُعلنت حالة التقشف في دول الخليج ولجأت الحكومات إلى الحلول التقليدية المؤقتة في مثل هذه الحالات: تقليص الإنفاق الحكومي، وإلغاء المشاريع وتجميدها، وفرض مزيد من الرسوم والضرائب على السلع والخدمات؛ من أجل سد العجز المتحصل في الميزانيات.
كانت حسابات الدول النفطية تقوم على اعتبار حالة التراجع في الأسعار ظرفية ومؤقتة وستزول بزوال أسبابها، وهي- في نظر تلك الدول- مرتبطة بتحدي النفط الصخري، الذي تزايد إنتاجه خلال السنوات الأخيرة مستفيداً من ارتفاع سعر البرميل إلى مستويات تجاوزت الـ100 دولار، وبهذا السعر المرتفع تجاوزت صناعة النفط الصخري عقدة تكلفة استخراجه العالية (40 دولاراً للبرميل)، وأصبح تسويق النفط الصخري مربحاً تجارياً، وهو ما أدى إلى مزاحمته النفط التقليدي، ما خلق فائضاً في المعروض في سوق النفط أدى إلى تراجع الأسعار إلى مستويات متدنية.
قامت سياسات الدول النفطية على ترك الأسعار تتراجع إلى الدرجة التي يفقد فيها النفط الصخري ميزته التنافسية، وصولاً إلى تقليص حضوره في سوق النفط، لغاية خروجه نهائياً من المنافسة. وكان الرهان مؤسساً على أن خروج النفط الصخري من المعادلة لن يؤدي إلى ارتفاع الأسعار مجدداً فحسب، بل سيؤدي إلى استبعاد عودة المنتجين إلى الرهان على النفط الصخري مجدداً.
قد تكون هذه المقاربة الاقتصادية صائبة عندما يتعلق الأمر بمنتج عالي التكلفة مثل النفط الصخري، لكن التحدي الأكبر والمقبل للدول النفطية يتمثل في الاستخدام المتسارع والمتسع للطاقة المتجددة من الشمس والرياح.
صحيح ان استخدامات الطاقة المتجددة قديمة ومعروفة، إلا أن تكلفتها العالية حالت دون اعتبارها منافساً للنفط التقليدي والغاز الطبيعي، لكن التقدم التكنولوجي الذي تمكّن من تقليص تكلفة توليد الكهرباء من طاقة الشمس والرياح إلى مستويات مقاربة لتكلفة توليدها عبر النفط والغاز (في دراسة لبنك لازارد الاستثماري أن تكلفة الكيلوواط من الطاقة الشمسية يمكن أن تصل إلى 4 سنتات مقابل 5.2 سنتات لتكلفة استخراجه بالغاز الطبيعي الذي هو أرخص من النفط)، وقد حول تدني التكلفة مصادر الطاقة المتجددة إلى منافس حقيقي، وأصبح استخدامها أكثر شيوعاً، وانخرط كثير من الدول في بناء محطات الطاقة المتجددة، خصوصاً الدول ذات الاستخدام الكثيف للطاقة، لا سيما في أكبر أربعة اقتصادات للعالم (أميركا والصين وألمانيا والهند).
فالهند مثلاً تخطط إلى زيادة طاقة شبكة الكهرباء من الشمس من حوالي 5 آلاف ميغاوات حالياً إلى 100 ألف بحلول عام 2022، أما الصين فقد زادت إنتاجها من الكهرباء الشمسية من 7 آلاف ميغاوات عام 2012 إلى 44 ألفاً في 2015، كما تشكل الطاقة الشمسية نسباً مرتفعة من إنتاج ألمانيا والولايات المتحدة.
وإذا ما أضفنا التوسع في إنتاج السيارات الكهربائية، الذي سيعني تقليص الاعتماد على البنزين، تتضح لنا معالم التحدي المقبل لاقتصادات المنطقة الذي يؤشر إلى أن مرحلة التقشف قد تستمر طويلاً، وأن على دول المنطقة الاستعداد لمرحلة طويلة من النفط الرخيص.
جريدة القبس الكويتية
أضيف بتاريخ :2016/07/14