سد الثغرات في تركيا..!
علي الخشيبان ..
عاش العالم وتركيا تحديداً ساعات قلقة كادت أن تنبئ عن زلزال في المنطقة كان سيحول المنطقة بأكملها إلى أحجار (دومينو) لو تم، ولكن السؤل الذي ظل محيرا لماذا حدث هذا الانقلاب ولصالح من ومن تدبر الأمر ووقف خلف هذه المحاولة الفاشلة..؟، تركيا سوف تعيش وحتى نهاية هذا العام بشكل مختلف تماما وسوف تعمل بشكل جدي على إعادة تشكيل الصورة الداخلية والمحتمل أن كثيرا من المواقف التركية سوف تتغير وخاصة بعد أن رجحت كفة ميزان القوى لصالح الشعب التركي الذي غير معادلة تاريخية لدى الأتراك الذين عاشوا خلال تاريخهم على مبدأ يعطى الجيش التركي الأفضلية في قيادة الحياة في الداخل التركي.
سوف تلعب المكونات الحقيقية للشعب التركي دوراً بارزاً في صياغة سياسات تركيا القادمة، وقد نشهد تخلي تركيا عن الكثير من مواقفها وإعادة بناء منهجيات سياسية لن تكون مُرضية كثيراً وخاصة للإسلام السياسي ..
الجيش التركي الذي منحه الوضع الدستورى عبر التاريخ الحق في التدخل في الشؤون السياسية والاجتماعية إلى درجة الإطاحة بالحكومات، يفقد تدريجيا ومع هذا الانقلاب الفاشل موقعه السياسي، وأعتقد أن الحكومة التركية بقيادة حزب العدالة والتنمية سوف تقلل اعتمادها المباشر على استشارة القيادات والخبراء العسكريين من الجيش في الجوانب السياسية وسوف يتبنى حزب العدالة تغيير دور المؤسسة العسكرية في تركيا انطلاقا من مؤشرات تغيير هذا الدور التي بدأت بالظهور مع نهاية القرن الماضي تحديدا.
في العام 2002م وصل حزب العدالة والتنمية التركي إلى سدة الحكم بعد انتخابات شهدت تحولاً مهماً في الاتجاهات التركية الحديثة، ومنذ ذلك التوقيت وحتى اليوم وحزب العدالة والتنمية يتربع بشكل كبير على سدة الحكم، ولكن السؤال الأساسي هل كان تاريخ تركيا العسكري خلف هذه الهزة السياسية ..؟، قبل الإجابة هنا لابد من التأكيد على أن شيئا مهماً تحقق للشعب التركي الذي يكسب وللمرة الأولى في تاريخه مشاركة أساسية وحاسمة في القرار السياسي التركي والذي ظل محصورا في القيادات العسكرية لسنوات طويلة حيث الجيش مفتاح التغيير في تركيا.
الكثير من الأعمال التي يجب القيام بها لسد الثغرات في تركيا هي تقع أولاً على عاتق حزب العدالة والتنمية الذي يتولى الآن توجيه القوى الوطنية المتمثلة في الشعب التركي الذي حسم موقفه الديمقراطي وتأييده للحكومة المنتخبة كل التكهنات، حيث حل الجيش في المركز الثاني اليوم في الصورة السياسية التركية وأعتقد أن الفرصة الأساسية لحزب العدالة والتنمية قد حلت فالحزب يستطيع استثمار هذه العاطفة الشعبية لتغيير تاريخ تركيا بشكل تدريجي أن أراد..!، ولكن بشرط أن يحدث ذلك خلال فترة تدفق العاطفة السياسية ونشوة الانتصار في دماء الشعب التركي.
الفرصة الكبرى تخدم حزب العدالة والتنمية من اجل بناء كتلة سياسية من المؤكد أنها سوف تحصل على تأييد كامل من أحزاب المعارضة والفرصة مؤاتية لإعادة بناء الصورة الكاملة للجيش من جديد، حيث المحتمل أن يكون الجيش متغيرا متحركا في العملية السياسية في تركيا لصالح الشعب وهذا سوف يعطي مساحات أكبر لتحرك الأحزاب السياسية في تركيا من اجل بناء نموذج ديمقراطي جديد، من وجهة نظري اعتقد أن تركيا بعد هذا الانقلاب سوف تتجاوز مفاهيم كثيرة في تكوين حزب العدالة والتنمية ذاته، وسوف يغير هذا الانقلاب الفاشل الكثير من المسارات السياسية التي كانت تركيا تعتبرها أوراقا سياسية مهمة وأعني بذلك ذلك الخلط الكبير في مفهوم الإسلام السياسي الذي استخدمه الحزب لفترات مختلفة وبطرق متعددة من اجل بناء نموذجه، صحيح أن الصورة التاريخية الأولى لحزب العدالة والتنمية ذات ميول إسلامية ولكن ذلك لم يثبت بشكل قاطع.
هذا الانقلاب الفاشل لبعض عناصر الجيش سوف ينعكس بشكل مباشر من اجل إعادة قراءة التكوين الأساسي للحزب، وخاصة أن الحزب أدرك بعد هذا الانقلاب أن عملية الاستحواذ على السلطة اعتمادا على قيادات الحزب يجب أن تراعي دور الكتلة البرلمانية والمكونات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني الذي يعتمد عليه الحزب.
يخطئ الشارع الإسلامي بجانب عدد من الدول الإسلامية كثيرا في فهم الفرق بين الخطاب السياسي الذي يتصدر المشهد في خطابات الرئيس أوردغان وترويجه للحزب، وبين المكون السياسي الذي يقوم عليه دعم الشعب التركي لهذا الحزب الذي يستمد قوته من كتلته البرلمانية، ويبدو حزب العدالة والتنمية يستفيد كثيرا من تجربة الحزب الليبرالي الديممقراطي الياباني الذي يستبد بالحكم منذ منتصف القرن الماضي وهو حزب ليبرالي في الشأن الاقتصادي ومحافظ على المستوى الاجتماعي وتعد التجربة اليابانية ملهمة لقيادات حزب العدالة والتنمية في تركيا.
الحديث عن تلك الثغرات التي يجب على تركيا أن تعمل على سدها من أجل ترسيخ ديمقراطية على الطريقة الغربية أو جمهورية على الطريقة العربية، اعتقد أن الديمقراطية التركية اليوم لديها الوعي الكامل بأنها تمر في مرحلة تحول كبرى للعلاقة التاريخية بين المكونات السياسة والمكونات العسكرية، وعلى الجميع أن يدرك أن ماحدث في تركيا لم يكن تحركاً من قلب المؤسسة العسكرية بقدر ماهو اختراق لتلك المؤسسة وهذا ما يمنح الشعب التركي بمكوناته السياسية أن يبادر لإعادة تقييم العلاقة العسكرية المدنية في تركيا، وسوف تشهد الساحة التركية تحولات ملفتة للنظر خلال المرحلة القادمة إذا ما تم استثمار هذا الحدث شعبياً من أجل تعزيز ديمقراطية دولة ذات شعب مسلم باتجاهات ليبرالية وعلمانية.
هناك احتمالات كبرى في أن يعيد حزب العدالة والتنمية قراءة علاقاته بالتيارات الإسلامية، وهذا توقع كبير فالحزب يدرك أن الشعب الذي حسم هذا الانقلاب الفاشل لصالح الحكومة المنتخبة لن يكون سهل المراس بعد اليوم، فالديمقراطية لها طعم سياسي كبير يصعب نسيانه، وسوف تلعب المكونات الحقيقية للشعب التركي دوراً بارزاً في صياغة سياسات تركيا القادمة وقد نشهد تخلي تركيا عن الكثير من مواقفها وإعادة بناء منهجيات سياسية لن تكون مرضية كثيراً وخاصة للإسلام السياسي فكما يبدو أن الديمقراطية في تركيا سوف تتجه نحو الشمال من جديد، بينما ستعلب دوراً متوزاناً في علاقاتها السياسية في منطقة الشرق الأوسط.
جريدة الرياض
أضيف بتاريخ :2016/07/18