أردوغان عند العُربان
طراد بن سعيد العمري ..
التعاطف الذي ظهر واضحاً وجلياً في وسائل التواصل الإجتماعي مع رجب طيب أردوغان، رئيس وزراء تركيا، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة أمر يستحق التوقف عنده وتحليل أسبابه ودوافعه وأهدافه. الدفاع المستميت عن حاكم سياسي تركي من فئات خليجية وسعودية تحديداً يتطلب منا الغوص في تفاصيل هذه الظاهرة وتفنيد حالة الانبهار هل هي بالنموذج الأردوغاني، أو نموذج حزب العدالة والتنمية، أو الإخواني، أو الإسلامي، أو العثماني، أو التركي، أو العلماني، أو الإمبراطوري. كل من النماذج السابقة يمكن لها أن تفسر لنا طرفاً أو جزءاً من أسباب ودوافع وأهداف هذه الظاهرة، وحالة الانبهار، والتعاطف، والتطرف في المدح والقدح.
انتهت محاولة الانقلاب بالفشل، كما هو معروف ومعلن رسمياً، لكن ما زال الغموض يكتنف العملية بأسرها، هل هي محاولة انقلاب أم مسرحية لأسباب وأهداف سياسية، وغاية تخص الرئيس التركي؟ كما أن الغموض مهيمن على الأحداث في تركيا فيما إذا كانت المحاولة الفاشلة هي الفصل الأخير، أم أنها مقدمة لفصول أخرى في تركيا وربما دول وأنظمة أخرى في المنطقة؟ فالوضع التركي السياسي والإقتصادي والجيوسياسي والديموغرافي والإثني يشجع على وضع كل الفرضيات تحت المجهر. لكننا معنيين في هذا المقال، بحالة الانبهار والتعاطف من بعض الفئات في المجتمع السعودي والخليجي.
يمكن المجادلة بأن الغالبية العظمى للرافضين لفكرة الانقلاب في تركيا، ولنفترض (٨٠٪)، يتمحور رفضهم حول أسباب عقائدية بحتة وتحديداً المتعاطفين مع “الإسلام السياسي” أو بقايا المناصرين للإخوان المسلمين بعد إبعادهم عن الحياة السياسية في مصر وأفولهم وتلاشيهم في معظم دول العالم، وتصنيفهم في السعودية منظمة إرهابية. أما الفئة القليلة من الرافضين، ولنفترض (٢٠٪)، فخليط بين كارهين لحكم العسكر؛ أو رفض الاستيلاء على السلطة بالقوة؛ أو الداعمين لمبدأ الديموقراطية؛ أو الذين سئموا الانقلابات وعدم الاستقرار؛ أو فئة التجار والسواح ومحبي جمال تركيا في الطبيعة و” جماليات أخرى”. وما يهمنا هنا هو تلك الفئة الكثيرة لنتساءل عن أسباب الرفض والتعاطف.
ننوه أننا نحتاج لكي نصدر حكماً نهائياً على فئة الرافضين، أو بشكل أدق المتعاطفين مع “الإسلام السياسي” متمثلاً في الرئيس التركي أو النموذج الأردوغاني، أن تقوم الجهات المتخصصة في الجامعات ومراكز البحث والدراسات بعمل استبيانات ودراسات علمية يمكن الركون إليها واعتمادها. لكننا سنعتمد هنا، ولو مؤقتاً،على الحدس بناء على قراءة متأنية للجدل والجدل المضاد الذي تسارع وتكاثر في وسائل التواصل الإجتماعي خلال محاولة الانقلاب وما بعدها، والذي كان مبنياً، فيما يبدو، على العاطفة البحتة بنسبة (٩٩،٩٩٩٩٪) وبعيد كل البعد عن العقل والمنطق في النظر أو تحليل ماحدث في تركيا. كما نجزم بأن نسبة كبيرة من المتعاطفين غلب عليهم طابع “الانبهار” بالنموذج الأردوغاني بكل أبعاده الحزبية والتركية والعثمانية والإمبراطورية.
هنا نقول لا بأس، ونتساءل، ونسأل أولئك: إذا كان النموذج الأردوغاني بكل أبعاده أعجبكم وأبهركم، فلماذا تقفون ضد كل عنصر من عناصره في بلدانكم؟ النموذج الأردوغاني متصالح مع العلمانية، فهل تقبلون وتتصالحون مع العلمانية؟ النموذج الأردوغاني متصالح مع الديانات والمذاهب والطوائف الأخرى وقابل بها، فهل تتصالحون وتقبلون؟ النموذج الأردوغاني متعايش مع العرقيات الأخرى، فهل تتعايشون؟ النموذج الأردوغاني يحترم المرأة ويجاهد في منحها كامل حقوقها ومساواتها من غير تمييز، فهل أنتم قادرون؟ النموذج الأردوغاني، يحترم الديموقراطية والانتخابات والأحزاب والنقابات، فلماذا ترفضونها والبعض منكم يحرمها شرعاً؟ النموذج الأردوغاني لديه تحالف وصداقة وتعاون مع الغرب (النصارى) ومع روسيا (بلد الإلحاد)، وإيران (بلد الشيعة والصفوية والفرس والمجوس)، وإسرائيل ( اليهود والمحتلين لفلسطين والمسجد الأقصى)، والحلف الأطلسي (رمز الحروب الصليبية)، فهل أنتم قادرون على التحالف والصداقة والتعاون والتعايش مع كل أولئك؟
يتبقى سؤال مثير وخطير:هل إعجابكم وتعاطفكم وإنبهاركم بالنموذج الأردوغاني مرده نجاحات تركية ورغبة صادقة لمحاكاة ذلك النموذج، أم كـره ورفض، وخيبة أمل، بداخلكم تجاه حكامكم، وحكوماتكم، وأنظمة دولكم، لعدم اقترابكم من السلطة السياسية؟ نعرف أن أي من أولئك المتعاطفين والمنبهرون بالرئيس التركي والنموذج الأردوغاني سيحجمون عن الإجابة على هذا السؤال، لكن التفكر في السؤال سيساعد أولئك، على الأقل، في معرفة حقيقة مشاعرهم والابتعاد عن العاطفة والاقتراب نحو العقل والمنطق. فأردوغان ونموذجه نتاج (١٠٠) عام من العلمانية أوصلته إلى ماهو عليه اليوم بما له وما عليه. أما “الإخونجية” العربية فهم نتاج (١٠٠) عام من فكر جمع شتات التطرف من مصادر دينية عديدة وتراكم زمنياً منذ انطلاق حركة الأخوان في مصر، وانتشر حتى بات عبئا على نفسه ومجتمعاته ودوله والعالم أجمع.
أخيراً، أردوغان ونموذجه وحزبه تجربة سياسية وصفحة من ضمن صفحات التاريخ، فيها الظاهر والباطن، الحقيقي والوهمي، المعلن والخفي، وأيضاً، النجاح والفشل. كما أن المشهد السياسي اليوم في تركيا، والشرق الأوسط، والعالم، مرتبك وينبيء عن مزيد من الأحداث الكبيرة والخطيرة. ختاماً، نهنيء المتعاطفين مع النموذج الأردوغاني، ونقول لهم التفتوا إلى أنفسكم، ومجتمعاتكم، وأوطانكم، ودولكم، وحبوها وتعايشوا وتضامنوا وتعاطفوا معها، فالأقربون أولى بالمعروف. حفظ الله الوطن.
صحيفة أنحاء
أضيف بتاريخ :2016/07/19