آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
قاسم حسين
عن الكاتب :
كاتب بحريني

الشرق الأوسط بين انقلابين


قاسم حسين ..

في الوقت الذي سادت فيه قناعةٌ بانتهاء زمن الانقلابات، شهدت المنطقة خلال الأعوام الأربعة الأخيرة، انقلابين كبيرين، متضادين في الاتجاه، سيتركان تأثيرهما على مجمل الأوضاع السياسية في الشرق الأوسط.

وقع الانقلابان في بلدين إسلاميين مهمين، أحدهما كان مركزاً للخلافة الإسلامية لخمسة قرون، حتى سقطت مطلع القرن العشرين، والآخر يمثل الثقل الأكبر في الوطن العربي، بموقعه الجغرافي والتاريخي العميق.

الانقلاب الأول وقع قبل ثلاثة أعوام، وقاده الجيش في مصر ضد حكم الإخوان المسلمين، بعد تمهيدٍ ذكي استمر لعدة أشهر، من التحريض الإعلامي المركّز على تجربة الحكم الوليد، حيث استجاب عدة ملايين لدعوة إسقاط الحكومة ونزلوا إلى الشوارع، وتم عزل الرئيس المنتخب محمد مرسي، وأعقب ذلك إجراءات قمع وتصفية ومحاكمات للآلاف، وصدور أحكام بالإعدام للمئات، أثارت الكثير من الاعتراضات في الخارج.

الانقلاب الثاني وقع قبل أربعة أيام، وقادته مجموعةٌ من ضباط الجيش التركي ضد حكم حزب العدالة والتنمية، الإسلامي التوجّه. ومع فشل الانقلاب، تم الشروع في إجراءات مماثلة ضد الانقلابيين، مع تصفية حسابات واسعة شملت آلاف القضاة، غير العسكريين، مع التهديد الصريح بمحاكمات تنتهي بالإعدام، ما أثار أيضاً الكثير من الاعتراضات في الخارج.

خلاصة التأمل في الواقعتين، أننا في هذه المنطقة الموبوءة في العالم بعقلية الثأر وسياسات الكراهية، مازلنا ندور في حلقةٍ مفرغةٍ، ومازالت تحكمنا قاعدة: «إما أنا أو أنت»، و«لا يجتمع سيفان في غمد»، و«إما قاتل أو مقتول».

السياسة عندنا لا يوجد فيها معارضة، ولا يمكن أن نسلّم بوجود طرفٍ آخر، أو رأيٍ آخر، أو حتى بوجود قناةٍ أو صحيفةٍ أخرى. المطلوب أن يتكلّم الكلّ بصوتٍ واحد، وينطلقون من قناعةٍ واحدة، وإلا فإنهم خونةٌ ومتآمرون!

المطلوب أن تكون هناك سياسةٌ واحدةٌ، تُملى على الجميع، وينصاع لها الجميع، دون أن يرفعوا رؤوسهم، أو يخرجوا عن الخطبة الرسمية بوصةً واحدةً، على طريقة «ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد».

سياسات الدول التي تعترف بحق شعوبها في التعبير عن الرأي، وتعترف بوجود المعارضات، لا تعامل المواطنين بالريبة وتعتبرهم كخونة، ولا تصنّف الأحزاب المعارضة كأعداء، فتعدّ قوائم المطلوبين مسبقاً، فإذا حانت أية فرصةٍ انتهزتها لتصفية الحسابات، وألقت بآلاف المواطنين في قعر السجون والمعتقلات.

إنها الحلقة المفرغة التي يدور فيها الشرق منذ مئة عام، والنفق المظلم الذي يعيش فيه الأخوة الأعداء. كلٌّ منهم يتكلّم باسم الوطن، والوطن لا يعني له غير المصالح الحزبية والفئوية، والامتيازات. فتركيا عاشت ستة انقلاباتٍ خلال مئة عام، ومصر عاشت ثلاثة انقلابات خلال نصف قرن.
والخاسر في جميع هذه الانقلابات هي الشعوب والأوطان، التي تستمر كبوتها، ويتأخر نهوضها، وتتعثر مشاريع تنميتها، بينما بقية دول وشعوب العالم تتنافس في التنمية وتحقيق الإنجازات.

صحيفة الوسط البحرينية

أضيف بتاريخ :2016/07/20

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد