تأنيث المهن.. سبّاكة وكهربائية ودهّانة!
عبدالغني القش ..
هكذا استيقظ الشارع السعودي على خبر عجيب مفاده تخريج أول دفعة سعوديات للعمل بمهن السباكة والكهرباء والدهان، وينص على منح شهادات تخرج لثلاثين فتاة سعودية في مجال إصلاح أعطال السباكة والكهرباء وأعمال الطلاء!
نعم بعد سنوات من الانتظار وبعد إهدار المليارات على التدريب العشوائي والذي يكاد لا يذكر له وجود، نقوم بإقحام المرأة في عالم لا يناسبها، بل ولا يحتاجه المجتمع، وكأننا قد غطينا جميع المهن التي تتناسب وطبيعة المرأة لننقلها لهذا العالم!
إن المتابع يكاد لا يجد دهانين ولا سباكين ولا كهربائيين سعوديين من الذكور فضلا عن الإناث، وهو ما يعني ضرورة مراجعة برامج وإعدادات المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، فبعد قرابة أربعة عقود من الزمان على إنشائها، ما زال الشارع السعودي يخلو وبنحو كبير من المهنيين السعوديين، إن لم يكن بشكل كامل، ورغم وجود عشرات الكليات والمعاهد، لكن النتيجة أقولها وبكل أسى لا ترضي أحدا؛ فالمجتمع لم يتغير، والمحال المهنية ما زالت مشغولة بغير السعودي على الرغم من المدة الطويلة على إنشاء المؤسسة، حيث كان ذلك عام 1400هـ.
وليت عمري هل السوق بحاجة فعلية لهذه المهن من الجانب النسائي، الجواب بالنفي القاطع الذي لا يشك فيه شاك، فقد عجزنا عن شغلها بالبنين، فضلا عن البنات.
وبودي أن نكون شفافين أكثر، لنتجاوز المرحلة النظرية، فلم نعد بحاجة إلى تقرير إحصائي بالبرامج والكليات والمعاهد، ولننظر لواقع من تخرج، وهل نفع وطنه ومجتمعه، أم إنه توجه لعمل إداري وترك كل ما تعلمه من مهارات تتعلق بالمهنة التي كان يفترض أن يشغلها!
وقد سبق لكاتب هذه السطور المطالبة بإعادة النظر في وضع المهن لدينا، وضرورة تغيير التوجه الذي تسير عليه المؤسسة المعنية بجانب التدريب، فما يحدث هو هدر للمال بلا طائل، ونظرة سريعة لواقع المهن لدينا ستقنع كل مجادل، إذ لم تستطع المؤسسة سد حاجة مهنة واحدة وسعودتها من خلال خريجيها، وكل ما هنالك مجرد فقاعات إعلامية، بإعلان الأعداد المتخرجة وحفلات يصاحبها تقارير.. وهكذا، وواقعنا يسير سير السلحفاة، بل وأكاد أجزم أنه متوقف منذ سنوات على ما هو عليه في جانب المهن.
وفي نهاية المطاف يتم الزج بثلاثين خريجة في مهن الكهرباء والسباكة والدهان، عجب لا ينتهي!
ليتنا نراجع واقعنا المؤلم، فالمهن يشغلها الوافدون، وهم في واد والمهن في واد آخر، وعند احتياج المواطن لصاحب مهنة يقوم بسؤاله عن مهنته، فيكون الرد بسؤال محير: أنت ماذا تريد؟
ثم إذا ما وقعت كارثة من الكوارث، كحريق أو انهيار أو خلافهما، فليس لنا إلا أن نندب حظنا ونلوم أنفسنا، وما هي إلا أيام أو سويعات حتى يعود الكتان كما كان.
والمؤسف هو غياب المؤسسات والشركات المتخصصة عن أسواقنا، ويجد المرء نفسه مرغما على الاستعانة بهذه العمالة رغم يقينه بعدم مهنيتهم والشك في مقدرتهم، وكأن لسان الحال: مكره أخوك لا بطل.
والمشهد يزداد ألما، ويكتنفه السوء من كل الجوانب، وعند تقديم شكوى لوزارة التجارة تطالب المشتكي بسند أو عقد حتى تقوم بالمحاسبة والمعاقبة، وهي التي لم تلزم المؤسسات والشركات أصلا بإبرام العقود وكتابة المستندات عند القيام بإصلاح العطل.
وفي نهاية المطاف يبقى المواطن هو الحلقة الأضعف يتجرع المرارة ويتكبد الخسارة، وأنظمتنا باقية على ما هي عليه؛ فلنرحب إذا بالعاملات في مجالات السباكة والكهرباء والدهان، فلربما نجد بغيتنا ونحقق غايتنا!.
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2016/07/25