الجامعة المغلقة!
عادل الحربي ..
الأرقام المتعلقة بمصير الإنسان الخطأ فيها كارثي.. صعب على المرء أن يستوعب اختزاله في رقم.. رقم مجرد بلا أي اعتبارات أخرى.. رقم يأتي خلف آلاف الأرقام التي تكبره أو أمام آلاف الأرقام الأصغر منه قيمة.. ليستحيل الإنسان بكل ما يحمله من مشاعر ومهارات إلى لا شيء أمام لغة الأرقام.. صحيح أنها لا تكذب لكنها قاسية.. إنها مطرقة الرأسمالية التي تهوي بها على السواد الأعظم من المجتمع؛ وتهصره بلا رحمة.. وكم من رقم ضائع تتقاذفه أرقام أكبر.. بلا إنسانية.. وبلا حواس.
ومع كل تطور جديد تنفض الحياة عنها غبار المشاعر.. حتى يجد الإنسان نفسه متصالحاً بل ومشاركا في توزيع الأرقام على من هم أصغر منه، ترس صغير في ماكينة عملاقة لا تعرف أن تستريح.. وكل مشارك يراقب الترس الأكبر؛ متكئاً على الأصغر منه ليـعجل دفعه إلى الأعلى..
أب يهرب بابنته من البوابات الإلكترونية المغلقة إلى البوابات الحقيقية؛ ليجدها مغلقة.. من يتخيل أن باب الجامعة يغلق.. الجامعة وليست الثانوية الرابعة والسبعين!
الجامعات أبت إلا أن تعيدنا إلى زمن اعتقدنا أنه ولى إلى غير رجعة.. زمن تسرب فيه الآلاف إلى المجهول؛ لأنهم لم يجدوا مقعداً جامعياً يحتويهم ويصقل مهاراتهم.. لقد كنا في ذلك الزمن نقف طوابير أمام موظف التسجيل بانتظار أن يخبرنا أي كلية مازالت متاحة.. وعندما يصلك الدور تبدأ المفاوضات لقذفك إلى الكليات غير المرغوبة؛ ليتحدد بعدها مستقبلك.. موظف ربما لم يكمل تعليمه الجامعي حدد مستقبل المئات منا ذلك اليوم بدعوى اكتمال العدد!
ومرة أخرى وبعد سنوات يعود المشهد مجدداً، الطالبات وجدن أنفسهن أمام بوابات مغلقة بعد أن أغلقت البوابات الإلكترونية صفحاتها.. ماذا تفعل شابة سعودية إذا لم تذهب إلى الجامعة؟ الطلاب قادرون على تدبر أمورهم.. القطاع الخاص والأعمال الحرة ترحب بهم رغم ندرتها.. لكن فتاة لم يتجاوز عمرها الثمانية عشر عاما هل نزج بها إلى الفراغ أو إلى سوق عمل لا يزال عاجزاً عن توفير البيئة الجاذبة لأخواتها الأكبر سناً!..
عندما نغلق الجامعة في وجه الطالبات فإننا بلا شك ندمرهن ونقدمهن لقمة سائغة للفراغ بانتظار عريس المستقبل الذي يتنعم بين الجامعات والعمل الجزئي ومغامرات الشباب قبل أن يقرر الزواج أو يقرر أهله تزويجه لـ "يعقل".. هذه مسألة تتجاوز أرقام القبول إلى حق ينتهك.. حق كل طالب في التعليم الجامعي.. حتى النسب المتدنية يجب أن تجد فرصتها في ما يناسبها من تخصصات.. أما أن تغلق الجامعة الأبواب اعتقاداً منها أن مشكلتها انتهت؛ فهذه كارثة أمنية واجتماعية وتربوية قبل أن تكون تعليمية..
كان من المفترض أن تتوقع وزارة التعليم هذه الأرقام.. مؤكد أن هؤلاء الطالبات لم ينزلن من القمر.. بل كانت المدارس الثانوية تعدهن منذ ثلاثة أعوام لهذا اليوم.. ومهما كان تقدير التسرب من الثانوية العامة غير دقيق فإنه لا يمكن أن تصل نسبة الخطأ إلى هذه الأرقام التي رأيناها تتكدس أمام بوابة جامعة الأميرة نورة، وإلا فإن عملية التخطيط برمتها بحاجة إلى إعادة نظر!.
جريدة الرياض
أضيف بتاريخ :2016/07/27