فين تصريح سفرك يا حرمة؟!
حمود أبو طالب ..
سوف أبدأ المقال بتغريدة للطبيبة والأستاذة الجامعية المعروفة داخل وخارج الوطن الدكتورة سامية العمودي، تقول فيها: «هل تصدقون طبيبة تجاوزت الخمسين، قمت بتوليد الآلاف، وأمثل بلدي في المحافل العلمية، وابني الذي أنفق عليه هو ولي أمري». الدكتورة سامية تشير هنا إلى ضوابط أو على الأصح تقييد وتعقيد السماح بالسفر للمرأة السعودية، وكيف أنها وهي السيدة الناضجة المسؤولة والمشغولة بالسفر للمشاركة في المؤتمرات العلمية مازالت مقيدة بإذن ابنها بصفته ولي أمرها، دون مراعاة للاعتبارات المنطقية والعقلانية والموجبات الإنسانية التي لا تبرر ولا تقر مثل هذه المعاملة المؤذية للشعور. تلك التغريدة تمت إعادتها في تويتر أكثر من أربعة آلاف مرة، وفتحت الباب لطرح أمثلة أخرى لا حصر لها من طبيبات ومثقفات وسيدات أعمال وأكاديميات وغيرهن من المتعلمات الناضجات اللاتي تضطرهن ظروفهن العملية أو الشخصية للسفر، وبالتالي فقد أعادت التغريدة طرح هذا الملف المزمن الذي فاض الحديث عنه وطال النقاش فيه دون الوصول إلى نتيجة معقولة.
يوم الخميس الماضي قالت هذه الصحيفة ما يلي: «قدمت أكثر من 350 مواطنة إلى الجهات المختصة، لطلب الإذن بالسفر دون محرم في حالات حضانة أطفال، وأخرى لسيدات رحل عنهن أولياؤهن ويبحثن عن آلية إذن السفر. وأصدرت المحاكم المختصة في العام الحالي نحو 200 صك تقضي بمنح مواطنات إذنا بالسفر لمرة واحدة أو مرات متعددة للعلاج أو الدراسة أو السياحة أو الزيارة أو للمرافقة». وأضافت الصحيفة: «سجلت جمعية حقوق الإنسان أكثر من 100 طلب استشارة أو تدخل أو شكوى من مواطنات يرغبن السفر خارج المملكة، ووجدن عوائق عدم موافقة ولي الأمر تارة أو موافقة طليقها تارة أخرى في حال رغبتها اصطحاب أطفالها المحضونين، فضلا عن مطلقات أو أرامل منعن من السفر إلا بموافقة الابن كولي شرعي لها». نحن إذن إزاء محاكم وصكوك وجهات حقوقية بإجراءات طويلة معقدة بخصوص ظروف قاهرة قد يصاحبها تعنت مزاجي من ولي الأمر أو الطليق أو غياب الولي لوفاته أو لأي سبب آخر، وقد توافق الجهات المختصة أو لا توافق لعدم وضوح المعايير، وقد توافق لسفرة واحدة ليبدأ المشوار من بدايته في السفرة القادمة، فأي معاناة هي وأي هضم لحقوق المرأة بمثل هذه المعاملة؟.
المؤكد وجود عدد غير قليل سيقول عند قراءته لهذا الكلام أنه تحريض على قوامة أولياء الأمور ودعوة لمخالفة الشريعة كعادة فريق الممانعة الفورية الجاهزة لحقوق المرأة، دون استيعاب للمقصود أو الإحاطة بالحيثيات التي تكتنف الموضوع، لهؤلاء نقول إن الظلم والامتهان الذي تتعرض له المرأة الكبيرة الناضجة المسؤولة عن كيانها يتجاوز أحيانا ما يمكن تخيله من ابتزاز أو انتقام أو لا مبالاة من الشخص المخول بإعطائها إذن السفر حتى في الظروف الطارئة، كما أنه لا يمكن أبدا استيعاب تعليق إذن السفر لسيدة كبيرة ناضجة متعلمة بموافقة ابنها الصغير الذي ما زالت ترعاه، إنه شعور مؤذٍ ومهين لكرامتها وإنسانيتها.
ليست معجزة أن نضع معايير منطقية وتنظيما إنسانيا لهذه القضية القادمة من الماضي البعيد الذي لم تعد كل تفاصيله لائقة بهذا الوقت. عيب أن تقف سيدة محترمة أمام موظف يسألها: فين تصريح سفرك يا حرمة.
صحيفة عكاظ
أضيف بتاريخ :2016/07/30