السلام مع إسرائيل يقويها ويضعفنا
مصطفى الصراف ..
بعد الوفاق بين الزعيمين العربيين الكبيرين الخالدين المغفور لهما الملك فيصل بن عبد العزيز والرئيس جمال عبد الناصر، برزت أبعاد قوة عربية أرعبت الصهيونية العالمية، حيث إن مصر عبد الناصر، التي هي حقبة وضع فيها جمال عبد الناصر أسس برامج تنموية وصناعات خفيفة وثقيلة مدنية وعسكرية، بداية من مصانع النسيج والالكترونيات، وانتهاء ببرنامج الصواريخ والعلوم النووية، ولو استمر عبدالناصر لكانت اليوم مصر دولة عظمى، كان يقف معها ويساندها في مواجهة الصهيونية الملك فيصل بن عبد العزيز. وأدرك الملك فيصل جيدا وعن كثب المؤامرة التي تحاك هناك ضد كل تقدم عربي في مجال الاقتصاد والتنمية بكل أنواعها. ولذلك كان الزعيمان ضحية نتيجة ذلك اللقاء. فنجحت الصهيونية في القضاء على البرامج التنموية المؤثرة في مصر، وكبلت مصر باتفاقية كامب ديفيد المشؤومة، التي أخرجت مصر من محيطها العربي، فنقلت عن أرضها جامعة الدول العربية إلى تونس، وقاطعت مصر كل الدول العربية بسبب الموقف الانفرادي الذي اتخذه الرئيس أنور السادات وصافح إسرائيل.
ولكن الصهيونية لم ترتض بعزل مصر فقط، بل عملت على شق الصف العربي ككل، فراحت تمارس ضغوطها على دول الخليج حتى توصلت إلى تحقيق مرادها بشق الصف العربي بإيجاد ما أطلقت عليه الدول المعتدلة، وهي التي أخذت بالاصطفاف إلى جانب مصر مبارك وكامب ديفيد الداعية إلى مصافحة إسرائيل والتطبيع معها. ودول الممانعة التي بقيت ضد اتفاقية كامب ديفيد. وظلت الصهيونية تمارس ضغوطها السياسية من ناحية وأعمالها العدوانية من خلال إسرائيل من ناحية أخرى لتخريب أي مشروع تنموي في المنطقة يكسب الدول العربية أي قوة؛ لتبقى إسرائيل قاعدة الصهيونية في المنطقة هي المهيمنة.
ولذلك فإن استمرار الدول المسماة بالمعتدلة في هذا الموقف السلبي والمهادن للصهيونية طوال ثلاثين عاماً أملاً في السلام مع إسرائيل لم يأت بأي نتيجة تنموية للمنطقة العربية، بل زاد الدول العربية تفرقا وضعفا، وجعلها سوقا للمواد الاستهلاكية والترفيهية.
لقد آن الأوان لكي تتخلى الدول المسماة بالمعتدلة، وفي مقدمتها جمهورية مصر العربية، عن اتفاقية كامب ديفيد، والتوجه صفا واحدا كأمة عربية للوقوف في مواجهة الصهيونية وأداتها إسرائيل، ولو دبلوماسياً، لوقف زحفها وعدوانها، وحتماً مجرد إلغاء اتفاقية كامب ديفيد ستجد إسرائيل نفسها ضعيفة فتركع تطلب السلام وفق الشروط العربية المتمسكة بقرار مجلس الأمن 242 أو حتى العودة إلى قرار التقسيم المعلن سنة 1948 الصادر من الأمم المتحدة، لأن الصهيونية لن تسمح بقيام أي مشاريع تنموية ذات أهمية تذكر تجعل من الدول العربية على الأقل في مستوى دولتي الهامش إيران وتركيا ما لم تكن هي داخلة فيها لتضمن ثباتها كدولة شرق أوسطية مهيمنة على المنطقة. لذا يجب أن يتوحد الموقف العربي ويواجه الصهيونية بصلابة وليس بالاستسلام. ولو لم تبرم اتفاقية كامب ديفيد لأصبحت مصر اليوم دولة عظمى مع الدول العربية قاطبة بما لديها من موارد بشرية ومادية وموقع متميز يؤهلها لذلك. ولكانت إسرائيل أضعف مما هي عليه اليوم أو لقبلت بالشروط العربية ولربما انهارت.
جريدة القبس الكويتية
أضيف بتاريخ :2016/08/06