لِمَ هذا التحريض على العتبات المقدسة؟
علي محسن الورقاء ..
في شهر (أغسطس/ آب 2016) كتب أحدهم رابطاً بين الزيارات الدينية والإرهاب ما ملخصه؛ أنّ جماعةً من الوطن تزور سورية والعراق وإيران بحجة زيارة العتبات، بيدَ أن الهدف الرئيسي من زيارتهم ـ كما يقول ـ هو التدرب على استخدام الأسلحة والمتفجرات المختلفة ضمن مليشيات عسكرية إرهابية هناك.
وقال «إن هناك معلومات منشورة ومعلومات أكثر دقة تشير إلى أسماء من يقوم باستقبالهم...». وقد وضع صفة تلك العتبات (المقدسة) بين قوسين لعدم اعترافه ـ كما يبدو ـ بكينونتها «مقدسة».
ما كتبه بمضامينه قد نأخذه على أنه خبرٌ، أو أنه رأي شخصي، إنما لكون هذا الخبر (أو الرأي) يمس بشكل ضمني طائفة بعينها فقط، باعتبار أنهم هم وحدهم المعنيون بزيارة العتبات المقدسة في تلك البلدان، ولكون هذا الخبر يحمل اتهاماً جنائيّاً صريحاً، ولكون هذا الاتهام ينطوي على أبشع الجرائم وهو الإرهاب، والذي ألحق به جريمة «الخيانة العظمى» وعقوبتها الإعدام، فقد استوجب منا الوقوف على ما كتب والرد عليه تعقيباً، وإنْ بشكل مختصر منعاً للإطالة، وننشر هذا التعقيب لنتيقن على الأقل بأن هناك عدالة ومساواة في قبول الرأي والرأي الآخر.
أولاً: الثابت من المكتوب (المُعقّب عليه) أنه جاء في أقوال مرسلة لكونه يفتقر إلى الدليل، فضلاً عن أنه جاء مبتوراً، سواء من جانب بيان الوقائع أم من جانب الإثبات، ولم يستند إلى دراسة وبحث وتحليل سوى الإخبار، ومن المستقر عليه أن الاتهام الجنائي، وخاصة عندما يتعلق بجماعة لها وزنها الاجتماعي وبحجمه السابق، يجب أن يكون مبنيّاً على الدليل لا على الإخبار، وعلى اليقين لا على الظن.
وإذا كان من كتب قد أشار إلى وجود معلومات أكثر دقة متوافرة لديه كما يدعي، وحيث إنه استعان بهذه المعلومات كدليل إدانة، فلِمَ لم يبرزها ويضعها في الصورة، طالما أنه تصدى لبيان هذا الجرم وأشار إلى مرتكبيه، وإلّا يُعد قوله افتراءً يُعاقِب عليه القانون، من حيث أنه لا يصح الاتهام جزافاً.
ثانياً: لا يخفى على أحد من أن هناك العديد من المراكز المتخصصة للتدريب على السلاح والمتفجرات، منها المعلنة وغير المعلنة، كالتي في شرق إفريقيا وغربها وجنوبها، وفي أفغانستان وغيرها، وأنّ الكاتب ـ الذي نحن بصدده ـ ربما يعلم دور هذه المراكز وكم أنها خرَّجت الإرهاب العابر للقارات، فإنْ لمْ يكن يعلم بها فليذهب إلى أقرب مكان له، إلى ما بعد خليج عدن غرباً على الأقل.
فإذا كان الأمر كذلك، فلِمَ إذاً تجاهله تلك المراكز ونشاطاتها وخريجيها، ووجه قبلته فقط إلى البلدان التي يقصد إلى الأماكن المقدسة فيها، وهي سورية والعراق وإيران، ونظر إليها على أنها مراكز إرهاب دون غيرها، ولِمَ ساقنا إلى العتبات المقدسة كمنطلق للإرهاب كما يراه، ولِمَ أشار بالبنان إلى زوار هذه العتبات بهذا الاتهام الظالم؟.
لا نعتقد أن قبلته تلك جاءت خطأً أو سهواً أو عن غير فهم، إنما هي مقصودة وعن إدراك ولهدف، وأقل ما نستشفه منها هو التحريض، ليس فقط على زوار العتبات المقدسة، وإنما على العتبات نفسها، لتكون هي بداية الطريق لمنع زيارتها.
لا نقول هذا تخميناً أو تجنياً، إنما يكفي استدلالنا عندما يجعل الكاتب العتبات المقدسة طريقاً أو منطلقاً للإرهاب، بحسب التصور أو السيناريو السابق، فإن ذلك يقودنا إلى نتيجة هي أن كل زائر للعتبات المقدسة متهمٌ بالإرهاب، أو عرضةٌ للاتهام، فيبنى على هذا التصور العمل على منع زيارة هذه العتبات لدواعي منع الإرهاب، ومن ثم نرى أن ما ذهب إليه الكاتب المذكور لا يعدو مقدمةً كبابٍ من أبواب التحريض المبني على غير دليل، ولا يستند إلى دراسة وبحث وتحليل.
ولكن، يبقى لنا أن نسأل: لِمَ التحريض على العتبات، هل هو فقط لمنع زيارتها منعاً للإرهاب، أم لأنها غير مقدّسة؟.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2016/08/10