مجلس رعاية السجناء
علي الشريمي ..
أقترح إنشاء مجلس رفيع للسجون، تكون مهمته القيام بالإجراءات اللازمة للمحافظة على تفعيل حقوق السجناء، ورقابة العاملين فيها
لنتفق أولا على أن السجن يفقد الفرد بعض الحريات الشخصية، ويفترض أن يكون كذلك، كون من يقطن بين أسواره الحديدية هم مدانون يستحقون العقوبة، إلا أن ذلك الأمر لا يجردهم من صفتهم كبشر. ولذلك نجد أن كثيرا من الدول الغربية أصبحت تتسابق في بناء أفخم السجون في العالم من فئة الخمس نجوم، الفكرة كما يقول القائمون على هذه السجون أنها تكمن في عزل النزيل عما يشجعه إلى العودة إلى عالم الجريمة، لأن كثيرا من السجناء في سجون العالم المختلفة تبدأ مشكلاتهم الحقيقية وتتطور منذ لحظة دخول السجن، وليس منذ ارتكابه الجريمة. لذلك، يجب توفير جو بديل للسجين وإعادة تأهيله وإكسابه مهارات تساعده في حياته العملية، وتعزز فرص إعادة اندماجه في المجتمع.
الإحصائية العالمية لهذا النوع من السجون تقول: إن 20% فقط من المجرمين يعودون إلى السجن. وربما قد تستغرب عندما تقرأ أن السويد أغلقت 4 سجون ومراكز للاحتجاز في 2016، ليس لنقص في معدل الجرائم أو الحوادث، بل بسبب أن منسوب عدد الجرائم ثابت وغير متصاعد، وهذا يعزى إلى طريقة التعامل مع السجناء، والعمل على ضمان كامل حقوقهم الأساسية. إذ تقول رئيسة مصلحة السجون وإعادة التأهيل السويدية: "لاحظنا تراجعا غير عادي أو مسبوق في عدد السجناء، والآن لدينا الفرصة لإغلاق عدد من منشآتنا نظرا لعدم حاجتنا إليها، في الوقت الذي نأمل فيه أن تكون جهودنا قد أثمرت في سبيل إعادة التأهيل والوقاية من الجرائم".
في المملكة، نجد أن مسألة حقوق السجناء مدار اهتمام كبير من المؤسسات الحقوقية، الأمر الذي انعكس في تحسين البيئة العامة في بعض السجون السعودية، فعندما تذهب إلى سجن الحائر، مثلا، تجد أن كثيرا من الأمور قد تغيرت. إذ تحدث الزميل "عبدالرحمن اللاحم" في مقاله بعنوان: "زيارتي لإصلاحية الحائر"، ذكر فيه أن كثيرا من الخدمات تقدم للنزيل من مكاتب للجهات العدلية والحقوقية، ممثلة في وزارة العدل وهيئة حقوق الإنسان، والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، وهيئة التحقيق والادعاء العام، وتوفير الخدمات الصحية المميزة التي تفوق في قدراتها المستشفيات الحكومية على حد تعبيره، إضافة إلى الأمور الترفيهية الأخرى.
في المقابل، ما زالت ترد بين الفينة والأخرى إلى المؤسسات الحقوقية ووسائل الإعلام المحلية حالات وقضايا من التجاوزات التي تحدث في بعض مراكز التوقيف والسجون، وسببها هو غياب الرقابة وعدم التزام بعض المحققين والموظفين بتطبيق الأنظمة بصورة سليمة، مما ينتج عن مثل هذه التجاوزات أضرار بالغة بحقوق بعض السجناء، والتي تنعكس آثارها على صحتهم النفسية والجسدية، وعلى علاقتهم بمجتمعهم ووطنهم.
فقبل أيام، رصدت الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان 15 ملاحظة على 5 سجون سعودية، أوردتها في تقريرها لعام 2015، تراوحت في معظمها بين التردي في الخدمات، وتكدس العاملات المنزليات الهاربات لتأخر معاملاتهن لدى الجهات الحكومية، فضلا عن بقاء النزيلات اللاتي انتهت محكومياتهن.
نحن معنيون جميعا بتحمل المسؤولية الإنسانية والوطنية، وبكل جدية، تجاه هذه الفئة، والعمل على ضمان حقوقها كاملة، ورصد أي تجاوز أو انتهاك يقع في هذا المجال، وعليه أقترح:
أولا: تغيير مسمى السجون أو الإصلاحيات في المملكة إلى "دوائر التنفيذ القضائي"، كما في بعض الدول المتقدمة.
ثانيا: إنشاء مجلس رفيع للسجون، تكون مهمته القيام بالإجراءات اللازمة للمحافظة على تفعيل حقوق السجناء، ورقابة العاملين فيها، وتجنبا لأي تجاوز أو مخالفة، خلال فرض تقارير أولية تستلزم توقيع السجناء عليها، تتضمن الرعاية لحقوقهم والفحص الدوري لهم، وكذلك إجراء الدراسات الخاصة بتطوير دور السجون على نحو يحقق الهدف منها، ويجعلها أكثر فاعلية في تقويم السجناء وإعادة تأهيلهم.
صحيفة الوطن أون لاين
أضيف بتاريخ :2016/08/11