الانتخابات الأميركية على وقع المدافع والطائرات
أحمد الغز ..
ميزة الدبلوماسية الحامية أنها تسرّع في المفاوضات لأن أكلافها عالية على الجميع بدون استثناء، تنضج الحلول على نار حامية وتجبر الأطراف على تقديم التنازلات
كلّما اقتربنا من يوم الانتخابات الأميركية، الثلاثاء 8 نوفمبر 2016، تزداد الأمور غموضاً وتعقيداً.
تتناقض التحليلات والرهانات، إذ يذهب البعض على اعتبار أن الانتخابات الأميركية محطة يجب انتظارها للبناء عليها ومعرفة الرئيس للسنوات الأربع المقبلة. ويعتقد البعض الآخر أنه يجب الحفاظ على التوازنات القائمة حالياً، سياسياً وميدانياً وإقليمياً ودولياً. ويذهب البعض الآخر إلى الاعتقاد بأن الرئيس أوباما سيتحمل المسؤولية إذا فشلت المرشحة الديموقراطية في الانتخابات بسبب سياسته الانكفائية وآثارها على الأمن الأميركي والأوروبي، والسماح بظهور قوى منافسة للولايات المتحدة ومعاداة العديد من الحلفاء الإستراتيجيين.
هذا الأمر قد يدفع الرئيس أوباما إلى اتخاذ خطوات غير متوقعة لجهة التدخل العسكري، وخصوصاً في موضوع "داعش" وعلى نطاق واسع، لا سيما أن اجتماعات قاعدة (آندروز) لوزراء دفاع التحالف العالمي ضد "داعش" تعزز احتمال أن الانتخابات الأميركية ستجري على وقع الحرب المفتوحة وضرب الطيران وغيرها من أدوات الحرب. وهذه العملية قد تساعد هيلاري كلينتون على الفوز، لأن الأميركيين لا يغيرون القيادة في زمن الحرب، وهذا ما قد حصل مع بوش الابن إبان حرب العراق.
يعزز هذا الاعتقاد الانعطافات السياسية وتطبيع العلاقات على مستويات مختلفة، وقد كان آخرها الزيارة التاريخية لإردوغان إلى روسيا واجتماعه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والذي جاء بعد يوم واحد من اجتماع لا يقل أهمية في أذربيجان بين الرئيس الروسي والرئيس الإيراني والرئيس الأذربيجاني، والحديث عن التنسيق فيما بينهم في أفغانستان والشرق الأوسط في موضوع الإرهاب.
أيضاً لا يمكن تجاهل ما يحدث في إسرائيل من انعطافات داخلية شبيهة بتركيا، وهي ملاقاة الحكومة مع المعارضة في موضوع المفاوضات مع الفلسطينيين ومبادرة الرئيس المصري والمبادرة العربية للسلام، بالإضافة إلى الدعوة الفرنسية لمؤتمر دولي للسلام. وقد ظهرت هذه الانعطافة بمبادرة نتنياهو بتكليف شيمون بيريز بالتحضير للمفاوضات. والمعروف أن شيمون بيريز هو من فريق حزب العمل المعارض، بالإضافة إلى أنه أحد مؤيدي مشروع الشرق الأوسط الجديد أو السوق الشرق أوسطية.
كل هذه التطورات تجري على إيقاع عودة السخونة إلى الميدان السوري، لا سيما في حلب، بالإضافة إلى تعليق المفاوضات اليمنية في الكويت وعودة السخونة إلى الميدان اليمني أيضاً، مع الإشارة إلى الضربات الجوية الأميركية في سرت ليبيا وبأمر من الرئيس الأميركي أوباما، ومع التأكيد الأميركي على وجود قوات خاصة في ليبيا.
إن كل هذه التطورات تقول إننا دخلنا مرحلة من "الدبلوماسية الحامية" وهي التي ابتكرها كيسنجر في مفاوضات فيتنام، أي التفاوض على إيقاع حماوة الميدان. وقد كان مساعده آنذاك فيليب حبيب الذي أدار فيما بعد تفاوضات لبنان على إيقاع العمليات الإسرائيلية، وكان مساعده جورج ميتشل الذي أدار بعد ذلك مفاوضات إيرلندا أيضاً على إيقاع النزاع والذي قال: "لقد فاوضنا مئات الأيام من الفشل ويوماً واحداً من النجاح". والجدير بالذكر أن ميتشل كان آخر من تحرك في مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين كمبعوث رئاسي من قبل الرئيس أوباما.
ميزة الدبلوماسية الحامية أنها تسرّع في المفاوضات لأن أكلافها عالية على الجميع بدون استثناء، تنضج الحلول على نار حامية وتجبر الأطراف على تقديم التنازلات.
إن ما نشاهده الآن في كل من سورية والعراق واليمن وليبيا يشير إلى أننا قادمون على موجة جديدة من المواجهات الحامية، مع التحضيرات المستمرة للحرب على "داعش"، والتي قد تتخذ حجماً يفوق كل أشكال النزاعات الدائرة حتى الآن. وهذا ما جاء في بيان وزراء دفاع التحالف الدولي ضد داعش، وهو القضاء على هذا التنظيم قضاء تاما وفي كل مكان. وقد تكون عمليات سرت في ليبيا وتحرير "منبج" في سورية إحدى مؤشراتها وإشارة إلى اقتراب وقوعها.
كل ذلك يتم مع اقتراب الاستحقاق الرئاسي الأميركي، مما يطلق عملية دبلوماسية حامية على كل الجبهات والدخول في مرحلة إقليمية ودولية جديدة. ويبقى السؤال: هل ستجري الانتخابات الأميركية على وقع المدافع والطائرات؟
صحيفة الوطن أون لاين
أضيف بتاريخ :2016/08/13