#الشعب_يريد_اسقاط_الولايه
طراد بن سعيد العمري ..
المطالبة المحتدمة من معظم الشعب السعودي، ومن قبيلة النساء تحديداً، بإسقاط الولاية، وتحرير المرأة ومنع تحكم الرجل (المذكر) أياً يكن بها، هو دليل نجاح الدولة السعودية في برنامجها التعليمي الذي بدأ مطلع الستينات، وعانت منه الدولة والحكومة حينها أيما معاناة من بعض فئات مجتمع متحفظ مرتبك لا يعلم في ذلك الوقت مئالات خروج أخطر وأعز وأقرب الأقربين إلى خارج أسوار البيت. خمسون عاماً مضت أثبتت المرأة السعودية بأنها أكثر وعياً بحقوقها ومسئولياتها وتقف على قدم المساواة مع الرجل، بل تتفوق عليه في التعليم، والعمل، والإلتزام، والإنضباط، والمباديء، والقيّم، والأخلاق. لكن لا زالت معاناة المجتمع والحكومة والدولة مستمرة فيما يخص المرأة. فبينما تطالب المرأة السعودية بأبسط الحقوق كإنسان، نشاهد يومياً نساء يحكمون العالم بكل حكمة وإقتدار، مما يطعن في كثير من الحجج التي يحاول البعض تسويقها، وتجد أذان صاغية، مع كل أسف، لإستمرار الإستبداد والإستعباد للمرأة السعودية. ولذا بات حتمياً على الدولة أن تحزم أمرها، وتعزم على طوي هذه الصفحة التي يعبث بها حفنة من المتخلفين، وأن تسارع الحكومة إلى إعطاء كل ذي حق حقه في المجتمع، ومنع تغول الرجل (الذكر) بصفة القرابة أو الولاية أو بحجة العادات والتقاليد، فالحق أحق أن يتبع.
تشقى الحكومة السعودية اليوم بقضايا كثيرة في الداخل والخارج، أكثر أهمية وأولوية من جدل سقيم وعقيم حول إسقاط الولاية من عدمها بحجج مبتسرة ومنطق معوج من حفنة تفسر الدين وتعتسف النصوص لكي تبقي على عادات سادت ثم بادت. تأخير البت في قضية إجتماعية ملحّة مثل هذه ليس من صالح الحكومة أو الدولة السعودية، ويمكن أن نجزم بأن كثير من معاناة ولاة الأمر والمسئولين اليوم في أمر السياسة والتنمية، هي بسبب التأجيل لعدد من القضايا مما يفاقمها في المستقبل، أما بسبب تعقّدها وتعاظمها، أو بسبب تزامنها مع قضايا مستقبلية أخرى. ولذا فإن تخلّص الحكومة من القضايا الإجتماعية البديهية والأساسية التي يفرضها التعليم والوعي والحاجة، وقبل كل ذلك الواقع، هو دليل حكمة وحسن إدارة من الدولة والحكومة. وإذا ظنت الدولة أو الحكومة أن مطالب إسقاط الولاية عن المرأة اليوم هي أخر المطالب، فذلك ظن خاطيء، فالتقدم والتطور في الحياة لا يعني مطلقاً إنهاء المشكلة، بل إحلال مشاكل أخرى جديدة محلها.
تتلخص مطالب إسقاط الولاية في السعودية في حقوق أقل ما يقال عنها أنها بديهيات. فهي في مجملها وبإختصار تضع هذا المخلوق “المرأة” في أولى عتبات الإنسانية، أي الإعتراف للمرأة بأنها مخلوق “إنسان”، له/لها أمرين: حق وحرية. مثل: إطلاق سراحها من السجون أو دور الرعاية أو المصحات التأهيلية؛ العناية بالأطفال من تعليم وعلاج وغيره؛ الحصول على كافة الخدمات الطبية والإسعافية كلما وأينما إحتاجت “هي” ذلك؛ أن تقيم في السكن الذي يناسبها من دون إجبار على أن تقيم مع أو يقيم معها أحد؛ التنقل في الداخل أو الخارج بحرية؛ الإلتحاق بأي عمل في القطاع الحكومي أو الخاص؛ الإلتحاق بأي من مؤسسات التعليم والتدريب والبعثات؛ مراجعة الدوائر الحكومية لإستخراج كافة الوثائق الرسمية التي تخصها أو أولادها. ونظن أن المطالَب البديهية الآنفة الذكر تم إرسالها لولاة الأمر. وريثما يبت في تلك المطالَب، ليس أقل من إصدار أمر عاجل ضد تعسف ولي أمر المرأة.
كثر اللغط حول إسقاط الولاية، وجزء منه يدور حول “القوامة”و”الولاية”، ونعلم أن كثير من طلبة العلم تحدثوا في هذا الأمر وفرقوا بين الأمرين. ومهما يكن، فإننا نجادل بأن إسقاط الولاية عن المرأة لم يعد ضروريا وحده فحسب، بل كل موضوع المرأة وأهمية عدم التفريق بينها وبين الرجل. فقد أمسى ذلك ضرورة يفرضها الواقع والمنطق. لماذا؟ لأمرين رئيسيين: (1) تعاظم المفسدة الناجمة عن تدخل الحكومة كطرف في شئون المرأة أو تحكم الرجل فيها، أياً كان ذلك التدخل والتحكم. فكثير من قضايا هروب المرأة السعودية ولجؤها للخارج، وقضايا أخرى مخيفة تتفاعل تحت السطح، هو نتيجة: وعي ونضج من المرأة السعودية؛ يقابله ضغط إجتماعي مدعوم بفكر تقليدي متخلف ظاهره الدين وباطنه الخوف وحب الإستعباد؛ تحت سلطة النظام والقانون او رحمة العادات والتقاليد؛ (2) لكي تتفرغ الحكومة لقضايا تنموية في الداخل أكثر إلحاحاً، وقضايا سياسية خارجية أكثر تسارعاً، فقائمة طويلة من القضايا الملحة: كمحاربة الإرهاب والفساد والمخدرات والإلحاد، وتأمين الوظائف والسكن والرعاية الصحية وغيرها، كلها تضغط بثقلها وأهميتها على الحكومة بتسارع، من ناحية. وقضايا خارجية ألقت بثقلها على كاهل الدولة من حروب وتحالفات إقليمية ودولية، من ناحية أخرى. ولذا فإن محاربة المرأة في أبسط حقوقها في الداخل هو إضافة حرب ستكون خاسرة مهما طال الزمن لمجمل حروب تتمنى الدولة والحكومة كسبها في الداخل والخارج بأسرع وقت.
كتب أستاذنا د. مرزوق بن تنباك مقال في صحيفة مكة، يغني
عن ألف مرافعة، بعنوان “كلنا غير”، يجادل فيه بأننا غير، لأن الجدل مازال قائما “هل عمل المرأة حق أو ضرورة وهل يجوز أن تعمل بغير التعليم والصحة وكيف تعمل ولماذا تعمل؟ و”لأننا البلد الوحيد في العالم الذي لا تسمح أنظمتنا وقوانيننا بقيادة المرأة للسيارة، ولنا في ذلك فتاوى وآراء وخلافات ومنازعات لا يصدقها الناس من حولنا، ولا يقنعون بأسبابها ولا نصدقها حتى نحن أنفسنا ولا نقتنع بها.” ويستطرد الكاتب: “لأننا البلد الوحيد في العالم الذي حرم الاختلاط بين الرجال والنساء في العمل وفي المطاعم والأسواق وعاقب عليه، وحتى في البيوت كان الاختلاط ممنوعا، بينما لم يحدث في التاريخ أن منع الاختلاط بين الناس في أي مكان، لا في الدين الكريم الذي وصفنا بأننا خير أمة أخرجت للناس، ولا في العادات والقيم التي عرفتها الجزيرة العربية في الجاهلية والإسلام وعرفها العرب والمسلمون.” ويضيف د. مرزوق بن تنباك: “لأننا البلد الوحيد في العالم كله الذي اخترع المحرم، وجعل له وظيفة اجتماعية وقانونية، فلا نترك المرأة إلا ومعها محرم، حتى أصبح معنى المحرم تترجمه لغات العالم إلى معاجمها، وتعرفه وتشرحه بجمل طويلة محاولة إقناع الناس بقبول فكرته قبل معناه.”(صحيفة مكة، 23 فبراير 2016م)
أخيراً، من المؤسف، أولاً، أن تتعالى الأصوات الشعبية لمنح نصف المجتمع في دولة كالسعودية في العام 2016م أبسط حقوقها كإنسان، بينما تتربع أنجيلا ميركل على حكم ألمانيا، أعظم دولة في أوروبا، منذ أكثر من (10 سنوات، و 8 أشهر، و20 يوماً). وبينما تفوز هيلاري كلنتون بثقة وترشيح الحزب الديموقراطي، وتنافس على رئاسة أعظم دولة في العالم، الولايات المتحدة الأمريكية. ومن المؤسف، ثانياً، أن يصار إلى إعتساف النص الديني لتبرير قناعات وعادات لكي تصبح عبادات، ولا تقف الدولة والحكومة موقفاً حازماً ضد ذلك. ومن المؤسف، ثالثاً، أن يتكرر ذات الجدل ونفس الأسباب وذات المداهنة في جملة قضايا التنمية والمدنية مثل: السيارة، والمذياع، والتصوير، والتلفزيون، والهاتف، والجوال، وقيادة المرأة، وولايتها على نفسها وأولادها، ولازالت الحكومة والدولة تقبل تكرار ذات اللغط، وتصمت عن رفض ذلك الجدل وتلك الحجج. ختاماً، إسقاط الولاية عن المرأة في السعودية هو شأن عاجل وملح بيد ولي الأمر لا يحتمل التأخير لكي يبت فيه، ويقول للمجتمع بكل وضوح: إعتقوا المرأة من الإستبداد والإستعباد؛ ويقول للحكومة بكل صراحة: تفرغوا لقضايا أكثر أهمية وإلحاحاً؛ ويقول للقضاء بكل إحترام: ضعوا قانون صارم فيه أشد العقوبة على أي ولي أمر رجل (ذكر) يثبت تعسفه ضد المرأة.
لصالح بوابة مصر 11
أضيف بتاريخ :2016/08/22