ورطة الأخونجية في السعودية: القاسم أنموذجاً
طراد بن سعيد العمري ..
وجد “الأخونجية” في السعودية أنفسهم في ورطة مركبة، فبعد أن كُشفت أقنعتهم مع فرط حماسهم لصعود”الأخوان” للسلطة في مصر، جاءت ثورة 30 يونيو 2013 لتصحح المسار، وتم عزل محمد مرسي وإلقائه في السجن ومعه قيادات الجماعة. حينها رفع”الأخونجية”في السعودية عقيرتهم بالصوت والصورة و”الأصابع الأربعة”، فجاء القرار السعودي بتصنيف “الأخوان” جماعة إرهابية، فلاذوا بالصمت واندسوا وتبرقعوا. وحين علا نجم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وجد”الأخونجية” في السعودية في الرئيس التركي ضالتهم، وباتت إستانبول “مكة” التي يحجون إليها في الشتاء والصيف. لكن ما أن تغيّر خط المصالح التركية باتجاه الشرق بدلاً من الغرب، وباتجاه سوريا وإيران بدلاً من قطر وأمريكا، حتى شعر”الأخونجية” في السعودية بالورطة مجدداً، وبدأوا يكيلون الوعيد والتهديد للرئيس التركي بلغة تنبيء عن إفلاسهم السياسي والديني والإجتماعي والثقافي. وسنورد هنا إنموذجاً لكاتب وإعلامي تتناقض أرائه وكتاباته بحسب منهج “الأخونجية” المتناقض كمثال فقط، مع تقديرنا للقاسم على المستوى الشخصي، فنحن ننتقد النص وليس الشخص.
كتب د. عبدالعزيز محمد القاسم الإعلامي النشط في تسويق فكر الإسلام السياسي في السعودية، مقال في صحيفة الشرق القطرية بتاريخ 9 نوڤمبر 2015م، يمجد فيه السلطان أردوغان الذي يصفه بـ “المعجزة” لأن الرجل كما يجادل القاسم “يعمل لوطنه تركيا ومصلحتها بالدرجة الأولى”، وشن القاسم في ذات المقال هجوماً قاسياً على كل منتقدي الرئيس التركي، والإسلام السياسي إذ يقول: “خذوا مثالا في الكاتب والسياسي العريق عبدالرحمن الراشد مدير عام قناة “العربية” الأسبق، فهو خصم تاريخي وعتيد للإسلاميين وللإسلام السياسي في عمومه، ولطالما سنّ قلمه وقناته في الهجوم عليهم”. حسناً، هذا هو عبدالعزيز القاسم نفسه ينقلب على نفسه ويعود يوم الإثنين الماضي 22 أغسطس 2016م في صحيفة “المصريون”، ليسن قلمه ويشن هجوم على أردوغان الذي صبأ عن مايريده “الأخونجية” في السعودية، ويهدد:”يجب أن نقولها علانية لأردوغان اليوم ونجهر له بها: شعبيتك في العالم العربي والإسلامي؛ نبعت من مواقفك مع قضايا الأمة، واصطفافك في الخندق السنّي مع بلداننا، ومجابهتك الصهاينة. وفي حال انخذالك بحجة مصلحة بلادك، فإن كل تلك الشعبية ستتلاشى”.
عن أي شعبية يتحدث القاسم، وما أهمية تلك الشعبية التي صنعها “الأخونجية” في السعودية أنفسهم ولا تعني الرئيس التركي ولا يحتاجها من قريب أو بعيد؟ عجباً لهؤلاء “الأخونجية” يتقلبون كالحرباء، لا يفهمون في السياسة، ولا في الدين، ولا حركة المجتمع، ولا مسار التاريخ. هم طلاب سلطة فقط في كل زمان ومكان، لا ولاء لهم لسلطان أو حاكم، فكل ذلك مزيّف ومصطنع ومشروط بمعاييرهم وقياسهم، ويحاججون بالكتاب والسنة كمرجعية، لكن فيما يوافق هواهم وتفسيرهم وتأويلهم فقط. لا انتماء لهم للوطن فقد ذوبوه في ثنايا مصطلح “الأمة” وعجزوا حتى عن استنباط مفاهيم جديدة تحاكي الواقع للمصطلحات الإسلامية. يدّعون “الوسطية” بأسلوب ساذج لتضليل الرأي العام ومعظمهم لا يعرفون معنى الوسطية، وإن جادلوا سقطت حججهم مع أول هبة ريح من رياح الجدل. لكن “الأخونجية” برعوا في تصنيف من يخالفهم بشتى التصنيفات، ويتألبون على من يخالف هواهم وأرائهم في وسائل التواصل الإجتماعي بـ”روح النقابة”، ويمارسون أصنافاً من الإرهاب “التويتري”، للهيمنة على المجتمع.
المثير للشفقة والرثاء حد البكاء، أنه لو كتب أي فرد من أخواننا وأحبائنا الشيعة في السعودية مقال يمتدح أو يمجد فيه سماحة المرشد الإيراني، أو الرئيس حسن روحاني، أو سياسة إيران الإقتصادية، على غرار ما فعله “الأخونجية” في السعودية بالأمس مع محمد مرسي العياط، الرئيس المصري الأسبق، أو ما يفعلونه اليوم مع رجب طيب أردوغان، الرئيس التركي، لقامت قيامة “الأخونجية” واتهموه بالكفر والعمالة والخيانة، ولتولجوه في كافة وسائل الإعلام وأرهبوه بواسطة أتباعهم في تويتر. أليس في ذلك الكثير من الطائفية والكراهية والإقصاء والتطرف والظلم؟ السعودية وطن واحد للجميع لا فضل فيه لسني على شيعي، ولا أبيض على أسود، ولا سكان منطقة على أخرى. لكن”الأخونجية” لا يريدون الوطن الواحد، فلهم أجندتهم الخفيّة التي بدأ شيء منها في الظهور، وهو تأصيل الكراهية والإقصاء والتطرف في المجتمع السعودي. في المقابل، الورطة التي وقع فيها المجتمع والحكومة والدولة، أنه ليس هناك إحصاء للمنتمين لتيار الإسلام السياسي أو”الأخونجية” في السعودية، فليس لهم بيانات مسجلة في حزب أو جماعة أو جمعية، كما هو الحال في دول مثل: تركيا ومصر وتونس والأردن واليمن. ولذا يصعب التحقق منهم والتعرف عليهم، إلا بسيماهم وبلحن القول.
نقول لأتباع تيار الإسلام السياسي ومنهم “الأخونجية”: لاتزايدوا في أي شيء، فمزايدتكم ورطتكم، وكلما علا صوت المزايدة كلما إفتضحتم أكثر. السعودية مهد الرسالة المحمدية، وفيها بيت الله قبلة المسلمين، وهي دولة مدنية حديثة، وتقع في جزيرة العرب. هذا صحيح، لكن ذلك لا يعني مطلقاً تبرير طائفيتكم المقيتة، ولا يعطيكم الحق في تصنيف المسلمين “من ليس معنا فهو ضدنا”، ولا يعني أبداً بأن العروبة والدين تخصكم وحدكم تخلعونها وتنزعونها كيف ولمن تشاؤون. فالسعودية دولة تتفق وتختلف مع الدول بحسب مصالحها السياسية، وتختصم سياسياً وليس طائفياً أو عقائدياً. ولتذكير”الأخونجية” أو من يؤجج الطائفية ضد الشيعة، نقول أن أكثر الضرر حصل على السعودية من العرب السنة. ففي الستينات قصفت مصر (السنية) جازان ونجران بالطائرات؛ وفي الثمانينات احتل جهيمان (السني) الحرم المكي؛ وفي التسعينات قصف صدام (السني) السعودية بصواريخ سكود؛ وفي الألفية الثانية فجرت القاعدة (السنية) مجمعات في السعودية؛ وفي العقد الثاني من الألفية الثانية فجرت داعش (السنية) مساجد وحسينيات في عدد من مناطق المملكة؛ وبالأمس القريب أحبطت السلطات الأمنية في القطيف محاولة داعشية (سنية). فلا تحوّلوا الخصومات السياسية إلى عداوات عقائدية وطائفية وتضللوا المجتمع.
أخطأت الحكومة السعودية ومعها الإعلام والإرشاد في السعودية، في إضفاء الصبغة العقائدية على بعض الخلافات السياسية. فتحول العداء مع إسرائيل إلى عداوة مع اليهود؛ والخصومة مع الإتحاد السوڤيتي إلى حرب ضد الإلحاد، والخصومة مع الحوثيين إلى خلاف مع الشيعة؛ والخصومة مع سوريا إلى كراهية للنصيريين؛ أما الخصومة مع إيران فحدث ولا حرج فيه كل أنواع العداوة والبغضاء للفرس، والمجوس، والرافضة .. الخ). المثير أن الخلاف السياسي ينتهي عاجلاً أو آجلاً، ثم تقع الحكومة في حرج كبير ينقسم بين تصعيب مهمتها، وانتقاص مصداقيتها. الذي لا يعرفه أصحاب تيار الإسلام السياسي، ولا يدركه “الأخونجية”، أن الدول تتفاعل في علاقاتها الدولية ضمن أعراف وقوانين لا تهتم كثيراً بمعتقد أو ديانة الدولة، وهناك نظرية تسمى: “كرة البلياردو” التي تشرح تفاعل الدول مع بعضها من الخارج بصرف النظر عن التفاعلات في الداخل. لكن ما يتحتم على”الأخونجية”معرفته تمام المعرفة، أن السعودية عانت أيما معاناة من منهجهم المتطرف والإقصائي والتكفيري، وأن الرسالة المحمدية الموصوفة بالرحمة والعالمية تعاني، أيضاً، من منهجهم، فـ”الإسلام محجوب بأهله”.
أخيراً، اتقوا الله يا أتباع تيار الإسلام السياسي، وَيَا أيها “الإخونجية” في السعودية. فالدين مكارم أخلاق، والسياسة مجاهل مكر وخداع، فلا تلوثوا الدين بالسياسة. السعودية دولة مدنية حديثة، فلا تختطفوها في منهجكم الذي ظاهره نشر العقيدة والغيرة والرحمة، وباطنه حب السلطة والكراهية والتطرف والإقصاء لمن خالفكم. وهنا نقول لكم أن تيار الإسلام السياسي بكل أشكاله وألوانه قد أفلس، وتورّط “الأخونجية” في السعودية أيما ورطة، وليس لهم من حل سوى التخلص من وهم السلطة الذي من أجله يتفننون في إلباس دعاواهم لبوس الدين وهو منهم براء. ختاماً، يقول د. عبدالعزيز القاسم: “في المحكات، تتبين الوطنية الحقة من المدّعاة، فشتان من يدعي حبّ الوطن ويتشدق به إن وافق هواه، وإن تضادت الظروف وأيدلوجيته نكص وخرس وبات خنجرا في خاصرة وطنه.” ونقول للقاسم، يقول الحق سبحانه ﴿كَبُرَ مَقتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقولوا ما لا تَفعَلونَ﴾ حفظ الله الوطن.
صحيفة بوابة مصر 11
أضيف بتاريخ :2016/08/25