هل تحتل السعودية شمال اليمن؟
طراد بن سعيد العمري ..
دخلت تركيا بالأمس إلى شمال سوريا لمنع تمدد الأكراد في منطقة غرب الفرات، ومنعهم من تشكيل تهديد مجاور للأراضي التركية. الوضع في اليمن يتشابه من الناحية الإستراتيجية والتكتيكية مع الوضع في سوريا بالنسبة للسعودية. سوريا مضطربة عسكرياً وسياسياً، وكذلك اليمن. الشمال السوري يشكل تهديداً لتركيا، وكذلك الشمال اليمني يهدد السعودية. المتمردون الأكراد في الشمال السوري، يماثلهم تمرد حوثي في شمال اليمن. الأكراد في شمال سوريا لهم مطامع في جزء من الأراضي في الجنوب التركي، كما أن الحوثيين في شمال اليمن لهم مطامع في جزء من الأراضي في الجنوب السعودي. الإختراقات الكردية في شمال سوريا للحدود التركية، تتطابق تماماً مع الإختراقات الحوثية في شمال اليمن للحدود السعودية. الأكراد يقصفون الجنوب التركي ويقتلون المدنيين، وكذلك الحوثيين. نتيجة لذلك، دخلت القوات البرية التركية إلى شمال سوريا، فهل تدخل القوات البرية السعودية إلى شمال اليمن؟
نشك كثيراً في أن تتخذ السعودية خطوة إستراتيجية كهذه، ولو أنها تشكل جزء من الحل على المدى القصير يفضي إلى تخفيف حدة التوتر في الداخل اليمني لصالح الحل الدائم. كما تؤدي هذه الخطوة إلى تحوّل مرحلي في الأزمة اليمنية من إشكالية الشرعية المدعومة والمفروضة بقرار أممي إلى نزاع حدودي يتم حله ثنائياً بين دولتين متجاورتين. دخول القوات البرية السعودية واحتلال جزء من الأراضي في الشمال اليمني، يحوّل النزاع بين القبائل المتصارعة على السلطة باتجاه نزعة بشرية، أشبه بالغريزة في الشعوب ذات الفكر القبلي والبدائي، وهي التوحُّد ونسي الخلاف والشقاق تجاه حل الخلاف مع قوات خارجية أو القوات الأجنبية. خصوصاً إذا ما وصل النزاع المسلح الداخلي إلى مأزق التعادل Stalemate، وهي مرحلة الكر والفر و”لا غالب ولا مغلوب”.
الخطوة الإستراتيجية بدخول قوات عسكرية، أو احتلال شريط حدودي ولو مؤقتاً، تكررت كثيراً في تاريخ النزاعات بين دولتين متجاورتين. صحيح أن القانون الدولي لا يقر مثل هذه الخطوة لكنها باتت عرفاً دولياً في النزاعات. القصد منها منع الأذى والإعتداءات الحدودية. العلاقات بين الدول المتحاذية لها إشكالية إستراتيجية على مدى تاريخ العلاقات بين الدول، وعادة ما يصار إلى مثل هذه الخطوة الإستراتيجية، كحل نهائي عسكري/ سياسي/ دبلوماسي/ قانوني. تنتهي هذه الخطوة الإستراتيجية، عادة، بإتفاق برعاية طرف ثالث، أو بتدخل الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وفرض حل تقبله الأطراف المتنازعة. وقد ينتهي بصلح يتضمن: (1) انسحاب القوات العسكرية من أراضي الطرف الأخر؛ (2) تحديد منطقة جغرافية تكون منزوعة السلاح كلياً أو جزئيا؛ (3) منطقة حظر للطيران بشكل مؤقت أو دائم؛ (4) منع التسلل وكافة أشكال التهريب عبر الحدود أو العبور غير القانوني.
قد يرى البعض في ما نطرحه اليوم شيء من التناقض أو التغير المفاجيء في تحليل الموقف للأزمة في اليمن، إذ طالبنا بانسحاب السعودية من أزمة اليمن قبل أسابيع، وذكرنا قبل أيام أن أزمة اليمن باتت كابوس يقض مضجع السعودية. حسناً، لا تناقض أو تغير. فالتركيبة التي بدأت بها أزمة اليمن، أو الحرب معها، لم تعد صالحة للاستخدام بعد المعطيات السياسية الجديدة على المستوى المحلي اليمني، والمستوى الإقليمي والدولي. وأصبح الأمر نزاع يتشظى بشكل دائم ويستنزف الجهود السعودية. النافذة القانونية التي دخل منها التحالف لإعادة الشرعية لم تعد مناسبة لحجم المشكل اليوم، ولم يعد للسعودية من بد سوى الاقتصار على ما يهمها من الناحية الإستراتيجية. اتضحت خريطة التحالفات المحلية والإقليمية والدولية لليمن، كما اتضحت التوازنات الداخلية وهذا هو الأهم. دعم رئيس شرعي غير مقبول شعبياً، ولو جزئياً، هي عملية محفوفة بالشكوك والمخاطر، حتى لو افترضنا تفوق عسكري للتحالف في الميدان. ففي نهاية المطاف، يتبقى الأمر اليوم بالنسبة للسعودية، هو ماذا تريد، وماذا يقلقها في اليمن ؟ وليس المثاليات والشرعية أو “التوحّم” على مايريده جزء من الشعب اليمني أو القانون الدولي.
السعودية واليمن، بينهما علاقات تاريخية وروابط مشتركة، ولكن تظل مشاكل الحدود وافتعالها من أحد الأطراف ذريعة للوصول إلى غاية. تذرع اليمن مراراً وتكراراً بنزاعات حدودية، وترسيم الحدود أكثر من مرة لمصلحة اليمن في الغالب الأعم، أثبت لاحقاً أنها محاولات ابتزاز يقوم بها من هو على رأس السلطة في اليمن للحصول على مكاسب سياسية في الداخل، أو مكاسب معنوية إعلامياً مع حفنة من الدولارات. انتهجت السعودية على مدى العقود الماضية نهجاً معيّناً بتشكيل ماسمي “اللجنة الخاصة” تعني بالشأن اليمني تحديداً، وكانت مهمتها حل المشاكل العالقة ودعم المشاريع الإنمائية في اليمن، وإرضاء بعض القبائل لتمرير مشاريع التنمية وعدم معارضة الحكومة في اليمن. كان شيخ قبيلة يمنية يعطل مشروع حكومي لسنوات لأنه لم يتلقى الأتاوات المطلوبة، أو لأن المشروع أقيم في مناطق قبيلة منافسة. ولذا، كان الهم الأكبر لدى “اللجنة الخاصة” إطفاء الحرائق القبلية لصالح اليمن ككل.
بعد (17) شهراً من انطلاق عاصفة الحزم، وما آلت إليه الأوضاع في الميدان، يجدر بالسعودية نقل أزمة اليمن من الفكر والحل الجماعي إلى الحل الثنائي، والتعامل مع اليمن على المستوى الثنائي الإستراتيجي. ما يعني التالي: (1) نزع كافة الأسلحة المتوسطة والثقيلة اليمنية حتى مسافة (100) كيلو متر من الحدود السعودية؛ (2) نزع كافة الصواريخ البالستية من اليمن بشكل كلي ودائم؛ (3) منع اليمن من الحصول على طائرات نفاثة مقاتلة تتجاوز سرعتها حاجز الصوت؛ (4) للسعودية وحدها الحق في ملاحقة المجموعات والتنظيمات الإرهابية داخل اليمن؛ (5) إبقاء مضيق باب المندب مفتوحاً أمام الملاحة الدولية؛ (6) القبول بأي حكومة يقررها الشعب اليمني شريطة أن: (أ) عدم اتخاذ أي قرار في السياسة الخارجية أو الدفاعية يؤثر سلباً على المصالح السعودية؛ (ب) عدم إقامة أي تحالف سياسي و/ أو عسكري مع أي دولة من دون التنسيق وموافقة السعودية؛ (ج) عدم السماح لأي حكومة أو سلطة شرعية في اليمن إقامة قواعد أو معسكرات لأفراد أو مجموعات محلية أو أجنبية داخل اليمن.
أخيراً، الركون إلى قرارات أممية هو “أفضل من التدخين”، كما يسخر صديق. لكن الحل يبقى في نهاية الأمر معلقاً بين السعودية واليمن فقط، وعلى السعودية أن تترك للشعب اليمني اختيار من يدير شؤونه في الداخل، لكن الشؤون الخارجية والدفاع في القضايا الإستراتيجية، وخصوصاً ما يؤثر سلباً على السعودية هو أمر من حق السعودية. تقليل الطباخين في الأزمة اليمنية ينعكس إيجاباً على أمد الحرب وإبعاد تجار الحروب. كما أن تقليل الهوة بين التصريحات المعلنة وما يجري في الإجتماعات المغلقة أمر في صالح حل النزاع. ختاماً، قد تضطر السعودية إلى أن تتعامل وتتفاهم علناً وبشكل مباشر، ومن غير وسطاء، مع القوة السياسية والشعبية في اليمن على المدى المتوسط والطويل حتى لو كان علي عبدالله صالح أو عبدالملك الحوثي. يقول المثل الشعبي “شيء لابد منه إستقرب منه”، أما المثل الشعبي الأخر يقول: “أَعْط المجنون قرصه في إيده يعقل”. أما نحن فنقول: ” أعطوا علي عبدالله صالح والحوثي صدق ممل، أفضل من كذب مشوق”. حفظ الله الوطن.
صحيفة بوابة مصر 11
أضيف بتاريخ :2016/08/26