بوابة البيت الأبيض الإسرائيلية
عبدالعزيز الغامدي ..
إسرائيل، في كل انتخابات رئاسية أميركية، هي شأن داخلي لا خلاف على وجوده أو الشراكة الحقيقية معه، سواء كان المرشح سيناتورا سابقا عن نيويورك التي تقطنها غالبية يهود أميركا، أو بليونيرا لا خبرة سياسية له
المعادلة الانتخابية الأميركية لا تكتمل فصولها دون المرور على الحليف الإسرائيلي في حملتي المرشحيْن الرئاسيين اللذين عادة ما يتباريان لإثبات أيهما أكثر ولاءً وقدرة على حماية "النموذج الديموقراطي" المأخوذ، أميركيًّا، إلى مثال الأرض الخضراء المحاطة بصحارى يسكنها ولع بالشعارات المعادية، واستعداد فطري لرمي الجار اليهودي في البحر الذي لا ذنب له سوى اقتراف النجاح والمنافسة في صنعِ الرقائق الإلكترونية، أما ما يقال على ألسنة العرب ومناصريهم عن جرائم الدولة العبرية، منذ تأسيسها، ما هو إلا ثمرة العاجز عن اللحاق بركب مؤشرات التنمية، وبضاعة المتطرفين الذين لا يرون للمجتمعات الأخرى أي حقٍ في الوجود. دعاية كهذه تجد في السرديات الرائجة عن صراعات الشرق الأوسط، عبر الإعلام الشعبوي والحملات المؤيدة لأي خطوة تتخذها تل أبيب، معينًا لا غرابة أن ينهل منه سياسيون قد توصلهم طموحاتهم إلى سدة الرئاسة الأميركية.
المرشح الجمهوري دونالد ترامب أمعن في تسفيه الأقليات، وصبَّ جام عنصريته عليها، بغية إعادة العظمة إلى أميركا التي وعد أن يكون العنف، وقت رئاسته، من الماضي، وألا يغرب الأمن عن الولايات التي أنهكتها أخبار القتل والتشرد والاغتصاب. وهو في هذا من العازفين على وتر تعاظمت شعبيته منذ سبتمبر 2001، حين اقترن العَلَم المرفرف على أسطح المنازل بجرعة وطنية شجعت قوانين ظاهرها منع هجمات أخرى، وباطنها استهدف حريات مدنية، وخلَق صورة تماهى فيها الألم الأميركي مع زعم المظلومية الإسرائيلية، خاصة أن وضوح القاسم المشترك في صراعيهما لا تخطئه العين. فكان أنْ رأى دونالد ترامب أن الإدارة الأميركية الحالية لم تقدم ما يكفي لدعم إسرائيل، وأن بناء المستوطنات، على سبيل المثال، حق لا ينبغي أن يُساءل، في إشارة إلى مطالبة إدارة أوباما الحكومة الإسرائيلية بوقف الاستيطان عام 2009. كما أن إعجاب ترامب بشخصية نتنياهو، دفع الأول إلى دعوة الإسرائيليين إلى انتخاب "صديقه" رئيسا للوزراء عام 2013، لأن "النصير العظيم" لإسرائيل، كما وصف ترامب نفسه آنذاك، يتمنى رئيس وزراء قويا لأولئك الذين ينظرون إلى إسرائيل بعين الاحترام.
المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون، بدورها، تحظى بشعبية عالية في إسرائيل، على خلفية دورها كـ"سيدة أولى" في ولايتي الرئيس الأسبق بيل كلينتون.
وهي، وإن كانت جوبهت بانتقاد حاد من الصحف المناصرة لإسرائيل، كالنيويورك بوست، حين التقت أرملة الرئيس الراحل ياسر عرفات، وقد جمعتهما ابتسامات مرحبة ومصافحات حارة، وما تبع ذلك بسنوات من إعلان إدارة أوباما الأولى دعمها قيام دولة فلسطينية، إلا أنها لا تُصور راهنا كعدو لإسرائيل، حتى وإن تباينت وجهات نظرها عن مواقف رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي الذي وصفته هيلاري كلينتون في مذكراتها بالمعقد. وما برز في مارس الماضي في كلمة كلينتون خلال مؤتمر الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية، المعروف بـ"إيباك"، أسمع لغة حماسية جددت الالتزام بأمن إسرائيل، وذهبت إلى القول بتعاون عسكري ودبلوماسي أمثل، يكون من واجب الولايات المتحدة معه تزويد الجيش الإسرائيلي بأحدث الأسلحة. وبالطبع فإن أكذوبة "الدفاع عن النفس" الإسرائيلية ستجد قنواتها التسويقية لتسويغ الرغبة في صبِّ 3 مليارات دولار، من أموال دافعي الضرائب الأميركيين، في الآلة العسكرية الإسرائيلية التي تعرف ضحاياها العزّل من السلاح أكثر من أي شيء آخر.
خرج ملف الاتفاق النووي الإيراني من أدراج ما يجمع المرشحيْن الرئاسييْن اللذين يبعثان رسائلهما بلغة النقائض التي تستبيح، عند أحدهما بوضوح أكبر، أي ملمح رئاسي. معارضة الاتفاق النووي تنبع من بين أمور أخرى تتصل بالموقف من إدارة أوباما بشكل عام، ومزايدة ترامب المعهودة لتقزيم قامة الإدارة الحالية، من الخوف على أمن إسرائيل من "هولوكوست" نووي، في مسعى إلى توظيف الهلع العالق بمفردة المحرقة في التاريخ اليهودي الحديث لطمأنة إسرائيل، والناخبين المنطلقين من قواعدها، ومحاولة إثبات أن الإدارة الديموقراطية الموقعة على الاتفاق ليست حريصة على حليفتها المُدللة. أما سنوات كلينتون كوزيرة للخارجية فقد أظهرت ما يشير إلى رفضها "فكرة" الاتفاق، وانتصارها لمزيد من العقوبات على طهران، وفي ذلك ما يضع المصالح الأميركية أولوية تبدو مخاوف العرب -جيران إيران- في إطارها قليلة الأهمية.
يصح القول إن إسرائيل، في كل انتخابات رئاسية أميركية، هي شأن داخلي لا خلاف على وجوده أو الشراكة الحقيقية معه، سواء كان المرشح سيناتورا سابقا عن نيويورك التي تقطنها غالبية يهود أميركا، أو بليونيرا، لا خبرة سياسية له، بشّر تجمعا انتخابيا بأن ابنته ستنجب ابنا يهوديا بعد أشهر! الفرق أن أحدهما يجيد التحدث بلغة "المجتمع الدولي" الباهتة، والآخر يروق له استخدام معجمه الخاص ورشق المارّة بحجارة الطريق إلى البيت الأبيض.
صحيفة الوطن أون لاين
عبدالعزيز الغامدي
أضيف بتاريخ :2016/08/29