عام النصر الاستراتيجي رغم تصاعد غبار المعارك...!
محمد صادق الحسيني ..
كلّ التقارير تفيد بأنّ المعارك الإستراتيجية في سورية حُسمت، وانّ أميركا تستعدّ للتوقيع على شروط الهزيمة مكرهة…
وإليكم الأدلة والبراهين:
أولاً: إنّ معركة إسقاط النظام، أصبحت خلف الظهر تماماً منذ سقوط أول إمارة للإرهابيين في بابا عمرو في حمص، وبعد ليّ ذراع كلّ جيوش العالم على أسوار حلب صارت كلّ الحلول تكتب تحت سقف الأسد…
ثانياً: مع تحرير داريا تكون معركة إسقاط دمشق، أو التهديد بهزّ أمن الجنوب السوري قد انتفى أيضاً، دون وجود أيّ إمكانية لاستعادة المبادرة من قبل الحلف الصهيوني الأميركي الوهابي، وبالتالي تكون السعودية تحديداً قد أذعنت بانتهاء دورها في سورية نهائياً…
ثالثاً: إنّ معركة إسقاط حلب، وتالياً سيطرة العدو على كلّ الشمال والشرق السوريين، أصبحت أيضاً خلف الظهر. باعتبار إنّ إمكانية استعادة المسلحين مشغليهم زمام المبادرة الإستراتيجية في هذه المنطقة قد انتفت تماماً.
ما يعني أنّ العثماني الجديد سلّم بتداعي أحلامه الإمبراطورية…
وعليه فإنّ السيد الأميركي، أيّ الراعي الأول لكلّ الجيوش المحاربة في سورية بات مكرهاً لقبول التعامل مع كلّ من روسيا وإيران وسورية بمثابة المنتصرين في هذه الحرب نتيجة لتغيّر موازين القوى في الميدان السوري وفي العالم لغير صالحه…
ولو كان مقتنعاً بوجود أسلوب آخر، أكثر نجاعة لاستمرار خياراته الإستراتيجية لما توانى لحظة واحدة. بل كان قد حرّك الأساطيل كما حاول فعل ذلك في العام 2013.
نعم هذا الأميركي المتوحش، ونظراً لطبيعته العدوانية والتوسعية، لا يمكن أن يقتنع بنضوب ينابيع قوته وإنما سيستمرّ في البحث عن وسائل وأدوات جديدة لترميم قوته استعداداً للانقضاض من جديد.
أيّ أنه سيرفض الاعتراف الفوري بهزيمته ومحدودية مفاعيل قوته بسبب تطوّر مفاعيل قوة الخصم خصمه الروسي ومكونات حلف المقاومة وعلى رأسه إيران .
بمعنى آخر، هو سيستمرّ في البحث عن بدائل جديدة تصريح روبرت مالي لأسبوعية فورين بوليسي يأتي في هذا السياق… لإطالة أمد الصراع في المنطقة والعالم جاهداً لتحقيق هدفين:
الأول: هو تحسين شروط انسحابه من «الشرق الأوسط» على أمل تغيّر الظروف المحلية والدولية خلال فترة تقطيع الزمن التي يسعى إليها…
الثاني: استمرار تأمين مصالح صنّاع أدوات الحرب، أيّ تجمّع الصناعات العسكرية الأميركية، وذلك من خلال استمرار ابتزاز أذنابه في الجزيرة العربية «وبيعهم» المزيد من الأسلحة مستخدماً فزاعات مختلفة.
أما بخصوص درع الفرات والضجيج الكثير الذي يُثار حول هذه العملية، فإنّ ثمة معلومات غربية تفيد بأنّ التدخل التركي متابع بدقة بالغة من قبل الروسي والإيراني والسوري، وانّ بإمكان هذا الثلاثي محاصرته جغرافياً في النواحي التالية إلى حين:
- جرابلس.
- الغندورة.
- الراعي.
وذلك لتأمين اشتراكه في الحلّ السياسي المقبل بهدف إلزامه بإغلاق حدوده مع سورية أمام حركة السلاح والمسلحين في إطار تسليم الحلف الأميركي بهزيمته الإستراتيجية في سورية…
نعم، قد يكون في هذا بعض مغامرة تشبه لعبة البوكر، بمعنى أنها تتضمّن الكثير من المخاطر على الشمال السوري وعلى مستقبل سورية بشكل عام، فيما لو أهمل الحذر الشديد مع التركي، وذلك لأنّ مواصفات التركي… عدوانية، توسعية ومراوغة… وهي تالياً مطابقة لمواصفات سيده الأميركي،
بالإضافة إلى سوابق غدر أردوغان ومكره…
وبناء على ذلك، فمن الضرورة بمكان التعامل مع موضوع التدخل التركي مثل التعامل مع حقل الألغام، أيّ باتخاذ أقصى درجات الحيطة والحذر إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً…
يبقى موضوع الدور الكردي المحتمل في المشهد السوري والتركي، فالاعتقاد السائد بأنه سيكون بمثابة لغم قد ينفجر في لحظة ما في وجه الأميركي، خاصة أنّ التركي لا يستطيع، تحت كلّ الظروف، غضّ النظر عن الخطر الكردي.
لذلك، فإنّ إنتاجية الورقة الكردية يبقى محدوداً بالنسبة للأميركي لأنه لا يستطيع حلبها حتى آخر قطرة بسبب حساسية ذنبه التركي في هذا الشأن.
كما يجب أن نتذكّر بأنّ الذنب التركي على اطلاع كامل على المخطط الأميركي الهادف إلى إقامة شريط كردي متواصل يبدأ من المتوسط غرباً عفرين مروراً بأربيل وصولاً إلى بحر قزوين عبر تبريز… لإقامة سلسلة من القواعد العسكرية لحلف الناتو ضمن جهود التطويق الاستراتيجي لروسيا من الجنوب والصين من الغرب يجب ربط المخطط بالتحركات الأميركية في جورجيا ـ أذربيجان… .
وهذا سبب الهجوم المضادّ الذي قامت به إيران وروسيا باتجاه أذربيجان قمة باكو الثلاثية .
وحيث إنّ الذنب التركي على اطلاع كامل على تفاصيل هذا المخطط عبر إيران وروسيا، فهو لن يسمح لسيده أن يذهب بعيداً في استخدام الورقة الكردية.
وهنا يجب الاعتراف لأردوغان، كزعيم مافيا دولية، بأنه يجيد ليس فقط رقصة الهيلاهوب بل والرقص على كلّ الحبال ولعب أوراقه بشكل حرفي وابتزاز الجميع. بمعنى أنه، ورغم كونه ذنباً لدى الأميركي، فإنه يعرف قيمة تركيا لحلف الناتو، وعليه، فبإمكانه ابتزاز سيده الأميركي في بعض المفاصل.
ولما كان ما يحدّد مخرجات الحروب هي نتائج المعارك الإستراتيجية وليست المعارك التكتيكية التي قد تطول وتشهد مداً وجزراً، كما حصل في الحرب العالمية الثانية ستالينغراد شهر 2/1943 وسقوط برلين شهر 5/1945 أيّ بعد سنتين فإنه يمكن القول بأنه ليس سورية وحدها من بات في أمن من التهديد الأميركي والأطلسي، ومعها محور المقاومة، بل حتى الروسي صار قيصره يستطيع أن ينام في الكرملين دون أن يخشى سقوط صواريخ الناتو على عاصمته…
ختاماً، لا بدّ من التذكير بهجوم قوات الفيتكونغ الاستراتيجي، على القوات الأميركية وأذنابهم في جنوب الفيتنام، والذي أطلقته قوات الثوار في ربيع 1968 وأطلق عليه يومها اسم «هجوم الربيع ـ تيت اوفنسيف» باللغة الفيتنامية…
وهذا يعني أنّ الحرب الفيتنامية قد حسمت استراتيجياً عام 1968، ولكنها استمرت حتى سنة ١٩٧٥ عندما سقطت سايغون بيد الثوار.
وهذا ما هو حاصل في سورية الآن: لقد استكمل الحسم الاستراتيجي عام 2016 ولكن الوصول إلى النهاية الكاملة للحرب قد يستغرق سنتين اعتباراً من منتصف هذا العام، أيّ حتى أواسط العام 2018.
جريدة البناء
أضيف بتاريخ :2016/08/30