المؤامرة والتبرير
مرزوق بن تنباك ..
كل العالم يتآمر علينا شرقه وغربه، والعالم يحاربنا ويسبب لنا المتاعب، والعالم هو عدونا الأول والأخير، وكل هزيمة وتخلف سببهما مؤامرة يحيكها أعداؤنا الذين لا يتركون لنا فرصة للنهوض والتقدم.
وما الانقلابات العسكرية التي دمرت الوطن العربي، منذ انقلاب حسني الزعيم في سوريا، وجمال عبدالناصر في مصر، إلا مؤامرة دولية وما تلاها من كوارث في كل البلاد العربية سواء من وقعت في قبضة العسكر، أو تلك التي بقيت على حكوماتها الملكية، هي مكيدة غربية.
مؤامرة الغرب علينا شجعت الانقلابات بل خططت الاستخبارات الأجنبية لها لتفسد علينا ازدهارنا واستقرارنا وأمننا، وحتى الحكومات الملكية التي لم تحدث فيها انقلابات ولم تقع تحت حكم العسكر عملت الاستخبارات الأجنبية أيضا على تدجينها وتركيعها وأفسدتها كما أفسدت غيرها.
والمؤامرات الغربية تجاوزت الحكومات إلى الشعوب أيضا ونشرت فيها العداوة والبغضاء وأشعلت الفتن ما ظهر منها وما بطن، ونشرت الاتكالية والبطالة والكسل وأفسدت الشباب، وحتى التعليم ومناهجه التي نعدها بأنفسنا ونحشوها بكل ما في تاريخنا من حكم وقيم ومثاليات أصبحت لا تغير شيئا ولا تنفع، والسبب بسيط وتعليله موجود فلو انتصرت الشعوب واتحدت الحكومات ونفع التعليم لقضى الإسلام على أعدائنا، ولهذا عرفوا قوة الإسلام فحاربوه بهذه المؤامرات والدسائس، وليس ذلك فحسب بل إن أعداءنا يحسدوننا على الإسلام ولا يريدون لنا أن نطبق ديننا كما يحب الله ولهذا كانت كل دول الغرب مشغولة بنا وبالخوف منا والحسد لنا والاعتداء علينا وتسليط بعضنا على بعض، في خيالنا المصاب بالانفصام كل العالم يحاربنا وليس له هم إلا نحن، فلماذا؟
ما ورد في الفقرة السابقة ليس حكاية حالنا ولا توصيفا لوضعنا ولكنها حقيقة واقعنا تحدث بها كل العرب وملئت بها بطون الكتب وأقيمت لها المؤتمرات والندوات والمحاضرات، وأتحدى أن تجد كتابا ألف لمناقشة وضع العرب لا يتحدث عن معنى من هذه المعاني، وكل ندوة أو مؤتمر أو حتى مجلس خاص يتحدث عن شيء من هذا.
كل شيء يصيبنا بعمل أيدينا نزيحه بسهولة إلى كيد الأعداء ومؤامراتهم حتى وإن كان بعض هؤلاء الأعداء لا يعرف عنا شيئا ولا يدري أين موقعنا في الأرض، لكن وأعوذ بالله من لكن هذا الغرب العدو اللدود هو الذي نذهب إليه لشراء السلاح الذي يقتل بعضنا به بعضا، وهو الذي يمدنا بما نريد من صناعاته وتقنياته وتقدمه وإبداعاته وهو الذي نفزع إليه للعلاج إذا مرضنا، ونفزع إليه ليحمي بعضنا من عدوان الآخر، وإذا وفرنا ما تيسر من المال فلا نجد له مكانا آمنا لحفظه والاطمئنان عليه إلا في الغرب.
وحتى عندما نريد أن نرتاح من عناء جمع المال والكسب لا نجد غير بلاد الغرب التي نستمتع بشواطئها ومصايفها وملذاتها، تستقبلنا وترحب بنا ولا نشعر أننا في غربة ولا كربة، والأهم من كل ما ذكر أعلاه أننا نرسل أفواج الدعاة إلى الغرب ندعوهم لديننا الذي يحسدوننا عليه ونشتري الكنائس ودور العبادة عندهم ونحولها إلى مساجد ومراكز إسلامية، مع أننا متأكدون أنهم يحاربون الدين.
والأخطر من ذلك أيضا أن من يضيق عليه وطنه ويخاف القتل والسجن والسحل لرأيه أو دينه أو مذهبه ويريد أن ينشر آراءه ومعتقداته في حرية تامة لا يجد أفضل من الغرب ملاذا آمنا ولا يحميه غيرهم، يهرب إليهم فيحصل على الحماية والرعاية والكفالة ولا يصيبه مكروه عندهم.
الخلاصة نحن أبرياء من كل الأخطاء وأنقياء من كل الآثام، ولا نجد سببا لكوارثنا وحروبنا وفسادنا إلا الغرب مشجبا نعلق عليه مصائبنا ونريح ضمائرنا ونسقط المسؤولية عنا، فقط الغرب هو الذي لا يريد لنا خيرا.
والأفضل من كل ذلك أن نلتفت إلى أنفسنا ونعرف أسباب مصائبنا ونعالج مشكلاتنا التي صنعناها بأيدينا وما لم نفعل ذلك فسنكون ضحية للشرق والغرب والعالم كله.
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2016/08/31