ظاهرة الاحتباس الحراري وارتفاع درجة الحرارة كسبب للقلق
د. هيثم باحيدرة ..
سجلت فترة الستة أشهر من يناير إلى يونيو من هذا العام أكثر نصف عام أول حرارة على كوكب الأرض على الإطلاق بحسب وكالة ناسا (الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء في الولايات المتحدة). ولا شك أن تجاوز متوسطات درجات الحرارة لأي نصف عام أول مسجل لهو شيء جدير بالملاحظة. وبعد تحليل بيانات المراقبة الأرضية وبيانات الأقمار الصناعية وجد العلماء أن مؤشرين رئيسين من مؤشرات تغير المناخ - درجات الحرارة السطحية العالمية، والغطاء الجليدي في المحيط المتجمد الشمالي - قد تخطيا عديدا من القياسات المسجلة خلال النصف الأول من عام 2016. وبحسب "ناسا" فقد سجل كل شهر من الأشهر الستة الأولى من عام 2016م رقما قياسيا في ارتفاع درجة الحرارة لم يسجل من قبل في السجلات الحديثة التي يرجع تاريخها إلى عام 1880. وكان متوسط درجة الحرارة أعلى بقيمة 2.4 درجة مقارنة بأواخر القرن الـ 19.
ودعت اتفاقية باريس – التي أبرمت في ديسمبر عام 2015 بحضور ممثلي 196 دولة – إلى تجميد الارتفاع المستمر في متوسط درجات الحرارة العالمية إلى "أقل من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية"، مع مواصلة الجهود للحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5درجة مئوية. فما هو حجم الفرق الذي يمكن أن يحدثه التذبذب بمقدار نصف درجة (أو 0.9 درجة على مقياس فهرنهايت) في العالم الحقيقي؟ يبدو أنه فرق كبير.
فقد نشر الاتحاد الأوروبي للعلوم الجغرافية في أبريل 2016 دراسة تناولت تأثير الزيادة بمقدار 1.5 درجة مئوية مقابل الزيادة بمقدار درجتين مئويتين بحلول نهاية القرن، في حدود ما نعرفه حتى الآن عن كيفية عمل المناخ. وتوصلت الدراسة إلى أن القفزة من 1.5 إلى درجتين – بمعنى الزيادة بمقدار ثلث إضافي - يرفع التأثير بنحو النسبة نفسها في معظم الظواهر التي تناولتها الدراسة، وذلك بشكل تقريبي جدا. فموجات الحرارة قد تستمر لفترة أطول بنحو الثلث، والعواصف المطيرة قد تصبح أكثر كثافة بمقدار الثلث، والزيادة في مستوى سطح البحر قد تكون أعلى بالنسبة نفسها، ونسبة الشعاب المرجانية الاستوائية المعرضة لخطر التدهور الحاد قد تزيد بما يقرب من النسبة نفسها.
ولكن في بعض الحالات قد تتسبب الزيادة الإضافية في درجة الحرارة في تدهور الأمور أكثر من ذلك بكثير. وعند زيادة الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية وجدت الدراسة أن الشعاب المرجانية الاستوائية تمتلك فرصة للتكيف وإنقاذ جزء من نسبة الفاقد خلال النصف الأخير من القرن الماضي. ولكن عند زيادة الحرارة بمقدار درجتين مئويتين تتلاشى فرصة التعافي، هذا ومن المتوقع انقراض الشعاب المرجانية الاستوائية عام 2100 تقريبا.
ومن المتوقع لتعريف التغيير في الغطاء الجليدي أن يتغير من الجليد الذي يستطيع الصمود طوال العام إلى الجليد الذي يستطيع الصمود طوال فصل الصيف فقط. ومع زيادة الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية يتوقع انخفاض المياه العذبة المتاحة في منطقة البحر الأبيض المتوسط بنحو 9 في المائة، أما مع زيادة الحرارة بمقدار درجتين مئويتين فيتوقع تضاعف نسبة العجز المائي هذه تقريبا. وكذلك الحال بالنسبة للانخفاض في محصول القمح والذرة في المناطق المدارية. ولأكثر من سبب قد تعني الزيادة بمقدار نصف درجة في المتوسط حول العالم كله زيادة ضخمة في بعض المواقع وفي أوقات معينة. وعلى الرغم من أن غالبية التغير في درجة الحرارة قد يحدث خلال فترة قصيرة من العام، إلا أنه في الواقع قد يرفع الحرارة بمقدار خمس أو عشر درجات مقارنة بما قبل الثورة الصناعية بدلا من 1.5 أو درجتين فقط.
ويجب علينا طرح المناقشة في سياق أن الدراسات الحديثة – وخاصة دراسات التفاعلات بين المحيطات والجليد- تحمل قلقا متزايدا من حساسية الصفائح الجليدية الشديدة للغاية لارتفاع درجة حرارة المحيط حولها. وتشير هذه الدراسات إلى أن الأنهار الجليدية العملاقة في جرينلاند والقطب الجنوبي لا تذوب من أعلى إلى أسفل فحسب، ولكن أيضا من أسفل إلى أعلى لأن مياه المحيطات الدافئة نسبيا تشق طريقها إلى أسفل هذه الأنهار.
ولكن هل يمكننا تجنب الزيادة الإضافية في درجة الحرارة بمقدار نصف في المائة، وأن نرى نتائج فورية لذلك؟ لن يحدث هذا الأمر في ظل تغير المناخ، فقط نحتاج إلى متابعة السعي مدركين أن الأجيال القادمة ستجني فوائد هذه الجهود. ويجب أن يكون واضحا أن علم الاحتباس الحراري العالمي هو حاليا أبعد ما يكون عن الاستقرار.
جريدة الاقتصادية
أضيف بتاريخ :2016/09/05