آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
صالح الديواني
عن الكاتب :
كاتب سعودي مهتم بالشأن الفكري

عقود الباطن شرعية التخريب عند العرب


صالح الديواني ..

مدينة أحد المسارحة في جازان، مثالٌ لأعمال عقود الباطن الرديئة، عديمة الخبرة والمهنية وأشياء أخرى، وأظن أن هناك أكثر من مدينة في المملكة لها معاناتها الخاصة في هذا الجانب

لم أعرف في حياتي عقودا تُشرع للانتهازية وللغش والتدليس وكل الأعمال رديئة التنفيذ في العمل كما تفعل "عقود الباطن"، مستغلة ثغرة جشع بعض المقاولين الكبار، وضعف الرقابة على التنفيذ، وغياب الوازع الأخلاقي عند بعض المقاولين الصغار على اختلافهم، بل وأشياء كثيرة يستغلها عقد الباطن، منها الإصرار على تنفيذ المشروع بأقل التكاليف وأسوأ المواصفات، ليوفر له مكاسبه الخاصة، بعد أن يكون المقاول الكبير (القرش)، قد فاز بنصف أرباح كعكة المناقصة الضخمة على الأقل -فيما لو أحسنت النية-، ووزع الفتات على صغار المقاولين من خلال "عقود الباطن"، التي بدورها تشرع لإهدار المال العام وجودة التنفيذ، وقبل كل ذلك تشرعن لظهور الضمائر الميتة وانتشارها وقبولها الاجتماعي والعملي.

فإذا أردت أن تؤسس شركة تجني من خلالها الثراء السريع بالملايين، فكل ما عليك هو تكوين علاقات شخصية جيدة، رخصة عمل، سجل تجاري، التقديم على الأمانة والبلدية، أو صلح وضعك مع مقاول (هامور)، كم عامل بنجالي من عمال النظافة بعد فترة دوامه، مهندس مشي حالك -كان يعمل تمرجيًّا-، استئجار ثلاث معدات حفر -نص عمر-، عقد بالباطن -يدبره لك أحدهم-.

وكما ترى فالأخيرة -عقد عمل بالباطن-، يمكن الحصول عليه بأيسر الطرق، من قبل المقاول الهامور الكبير (البوس الذي يلهف نصف كل شيء)، الذي لا يعنيه فشل أو نجاح المشروع الذي رسا على المقاول ضعيف الله بالباطن، الذي لا يُعفى من مسؤولية الرداءة، بقدر ما يعنيه تصريف المشروع، والبحث عن مشروع جديد.

جاء في موقع العربية نت بتاريخ 3 مارس 2012، أن عقود الباطن تهدر 60 مليارا سنويا، إذ "قدّر مختصون هندسيون حجم الهدر المالي، الذي يحدث في المشاريع السعودية بنحو 60 مليار ريال سنوياً، نتيجة عقود الباطن بسبب مقاولي الباطن، وسوء التنفيذ من قبل المكاتب الهندسية للمشروعات، وكذلك الهدر في استخدام المواد في صناعة التشييد، مع عدم وجود عقود تحمي جميع الأطراف بالشكل الصحيح.

ودعا المختصون إلى وضع نظام فني ومالي وإداري لتأهيل المقاولين، دون الاعتماد على التراخيص التي تمنح للمقاولين، مع الالتزام بالعقود العالمية التي تحمي جميع الأطراف ذات العلاقة، وقال المهندس طلال سمرقندي إن هناك أطرافا رئيسية عدة لها علاقة بصناعة المقاولات يتمثل الطرف الأول في مالك المشروع، سواء كان جهة حكومية أو قطاعا خاصا أو أفرادا، ويجب على المالك أن يعي معنى الجودة في التنفيذ دون النظر إلى السعر الأرخص، وهذه المرحلة الأولى لضمان التنفيذ الجيد بعمر افتراضي أطول للمشروع للحفاظ على الاستثمارات في قطاع التشييد، لذلك يجب البحث عن العرض الأفضل وليس السعر الأقل.
وشخصيا أظن أن الرقم 60 مليارا صغير جدا مقارنة بما نشاهده ونراه من سوء تنفيذ، في معظم المناطق في السعودية، ومن الواضح أن الرقم كان تقديريا، ولم يكن على أساس مسوحات ميدانية حقيقية على أرض الواقع.

هذا النوع من العقود وضع لتسريع تنفيذ المشاريع، لكنه بكل أسف جاء على حساب الجودة في التنفيذ، وإضعاف البنى التحتية للمدن والقرى، وكل شيء وقعت يدها عليه، فالضعف الشديد للرقابة على مقاولي عقود الباطن أتاح لهم مساحة أوسع للتلاعب وجني المال من أقصر الطرق.

عقود الباطن على الرغم من أنها مسرع جيد لتنفيذ المشاريع، لكنها في الوطن العربي استخدمت للعبث بالمشاريع وإهدار المال العام، وتحولت إلى كارثة اقتصادية لا مثيل لها في جميع الدول والاقتصادات الناشئة في العالم.

الدولة تضع ميزانيات هائلة تكفي لإنجاز المشاريع بأعلى المواصفات في العالم، لكن الناتج لدينا يتحدث على أرض الواقع، وليس أنا، وأضع مدينة أحد المسارحة بجازان مثالا لأعمال عقود الباطن الرديئة عديمة الخبرة والمهنية وأشياء أخرى، وأظن أن هناك أكثر من مدينة في المملكة لها معاناتها الخاصة على هذا الجانب.

راجعوا تفاصيل عقود الباطن، لتعلموا أكثر عن قسوة الشروط، وتهالك تطبيقها، وضعف الرقابة، وموت بعض الضمائر.

صحيفة الوطن أون لاين

أضيف بتاريخ :2016/09/08

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد