ماذا بعد مؤتمر الشيشان؟
مرزوق بن تنباك ..
لن يكون الحديث عن مؤتمر الشيشان بصفته المذهبية التي اجتمع من أجلها في الظاهر، ذلك أننا نعرف الأثر المشهور (افترقت اليهود إلى إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى إلى اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة...).
في العصور الأولى أحصى المسلمون فرق الإسلام وعددوها ووضعوا لها وفيها مقالات كثيرة وعرفوها تعريفات مفصلة، وكل سمى فرقته التي ينتمي إليها الفرقة المستثناة والناجية من الحكم العام الذي جاء في الحديث. ولو بحثنا هذه الأيام عن عدد الفرق التي توالدت من الفرق الثلاث والسبعين السالفة الذكر لبلغت أضعافا مضاعفة، وهذا التكاثر في المذهبية يجعلني أضرب صفحا عن المعنى المذهبي الذي حدده المؤتمرون في الشيشان لأسباب كثيرة، أولها أن لكل مذهب من المذاهب رجاله والمنافحين عنه في السر والعلانية، والقادرين على الحديث عن فضله واستقامته وصدق الاستثناء عليه دون غيره من المذاهب، وهو أمر يراه كل أتباع مذهب من المذاهب واجبا دينيا عليهم، ويستحق كل مذهب أن يزعم أهله أنه المستثنى من الفرق الثلاث والسبعين.
والثاني أنني ـ ولله الحمد ـ من العامة الذين مذهبهم مذهب السلطان، وأن علماء كل مذهب وأحباره هم الذين يناط بهم الدفاع عن مذهبهم ورؤيته ووضع حججه على الطريق السليم الذي يختارونه وبيانه للناس عامة وخاصة.
وهذا ما سيحدث وسينبري السلفيون في الدفاع المباشر عن مذهبهم ويأتون بفضائله وبيان صحته وما يشهد له من الأحاديث والنصوص التي يرونها، ومن حقهم ذلك، وقد يفندون ما في المذاهب الأخرى التي اجتمعت وقررت وقالت ما قالت إن صدقا وإن كذبا.
والدفاع حق مشروع لمن بغي عليه ولمن يستطيع الدفاع بالحجة والكلمة الحسنة وبيان حقيقة المعتقد وأخطاء الذين اجتالتهم الأهواء، سواء أولئك الذين حضروا المؤتمر أو من سمع به، لكن من الحزم والحكمة ألا يندفع الجميع إلى حروب كلامية وتكاذيب طائفية تصيب جماعة أهل السنة في صميم رؤيتهم، ويصدق عليهم ما أراد الشيطان إيقاعه بينهم من الجدل والتشرذم، وهو ما أظن أنه سيقع بينهم لا محالة.
ما يهمنا جميعا في المملكة العربية السعودية أن ما أشاروا إليه في مؤتمر الشيشان ليس موجها للمذهب الفقهي فحسب، ولكنه موجه للجميع. ونقول رب ضارة نافعة، فقد كان فيما حدث فرصة للسلفية، ليس لتبادل الشتائم مع الآخرين، ومزيد من الجدل العقيم الذي شغل الفرق والمذاهب الإسلامية منذ القدم، بل في النظر فيما قالوا وأخذ الأمر في غاية الأهمية والجد والاحتكام إلى قيم الإسلام العليا التي تبعدنا من التصنيف ولا يختلف عليها المسلمون. فالارتفاع إلى شمول الإسلام والأخذ به والتخفف من حدة المذاهب وانغلاقها وتصنيفاتها هو الأولى. وقد أشار عدد من الكتاب السعوديين منذ سنوات إلى أهمية فتح باب التجديد في الاجتهاد أو المرونة، واعتبار فقه الواقع والبعد عن الجمود والمواقف الحدية التي لا زال بعض رجال الدين يتمسكون بها على علاتها ويخطئون من يخالفهم ويتجاهلون المتغيرات التي تستجد في كل يوم في المجتمع نفسه الذي ينتمون إليه أو في المحيط الذي حولهم.
إن الرد الحازم الذي يجب أن يقوم به السلفيون هو المراجعة والتصحيح والاستدراك وتجديد الرؤية في مسائل الخلاف. وهذا وهو الرد المناسب، ورحم الله من أهدى إلي عيوبي.
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2016/09/15