عيدكم مبارك أيها الوزراء
طراد بن سعيد العمري ..
انتهى موسم الحج الأكثر ضجيج، وشارف على الرحيل معظم الحجيج، وانتهت الإجازة الصيفية، وعدنا والعود أحمد، إن شاء الله، ونقول لوزراءنا وسادتنا وكبرائنا: كل عام ونحن وأنتم وبلادنا ورؤية 2030 بخير وعافية. نقول أيضاً: “الله، الله، على الجد، والجد، الله، الله، عليه” كما يقول المثل الشعبي. دعونا نبدأ موسم جديد من العمل والإنتاج بقدر أكبر من الشفافية التي تم ذكرها في وثيقة “برنامج التحوّل الوطني” أكثر من (30) مرة. فسكوتكم يحيّرنا ويخيفنا في ذات الوقت، فهناك فرق، على ما نظن، بين السكوت والصمت. الأول يعني أن هناك مشكلة ولا يرغب الوزير الحديث عنها، أما الصمت فهو دليل الانشغال بالعمل الجاد وترك الأعمال تتحدث عن نفسها. قبل أربعة أشهر تقريباً وتحديداً في 25 إبريل 2016 يوم إعلان ولي ولي العهد رؤية 2030 تولد لدينا شعور مع ذلك الضجيج الغير مسبوق بأن ماكينة العمل بدأت وأن علاقتنا بكم أيها الوزراء ستكون من سيء إلى أحسن. لكن، لم يحدث شيء وانعزل كثير منكم خلف باب مكتبه وابتعدتم عن الحديث والإعلام وكأنكم عقدتم العزم على أن تأكلوا وتشربوا وتقَــرّوا عيناً فإما ترون من الإعلام أحداً فستقولون إنا نذرنا للرحمن صوما فلن نكلم اليوم إعلاميا.
نحن الشعب السعودي، أيها الوزراء، إخوانكم وإبناءكم وكل ما تعملونه أو ستعملونه هو لنا فنحن الوسيلة له والهدف فيه، نحن الركاب وأنتم في مقعد سائق الحافلة، وبالتأكيد ليس مقعد القيادة. ولذا، يجب عليكم .. هل قلت يجب؟ نعم، يجب عليكم (1) أن تتحدثوا معنا وتخبرونا أولاً بأول ماذا تعملون وإلى أين نتجه، مهما كان الأمر سيئا أو غير سار، قولوا لنا صدق ممل ولا تقولوا لنا كذب مشوق؛ (2) أن تتحدثوا معنا بلباقة وكياسة وتواضع وتقولوا لنا قولاً ليناً، لأن ولي الأمر وضعكم لخدمتنا فلا يجوز للخادم أن يتعالى على المخدوم. نحن نعلم، مثلكم وأكثر، أن بلادنا تمر بمحنة حرب في اليمن؛ وأن الظروف السياسية الإقليمية متأزمة، والأحوال الإقتصادية ليست على مايرام؛ وأن كثير من المشاريع ستتباطأ؛ وأن فرض الرسوم سيتسارع؛ وأن الأحزمة ستشتد أكثر وأكثر. لا بأس، نحن أبناء هذا الوطن، نحن الشعب السعودي، سنقف مع بلادنا في كل الظروف، فالوطن بالنسبة لنا ليس فندق خمس نجوم إن ساءت الخدمات يرحل النزلاء. نحن نطالبكم بالشفافية معنا، وأن تقولوا لنا على الأقل قولاً حسنا. فكما يقول الشاعر: لا خَيل عندك تهديها ولا مال *** فليسعد النطق إن لم يسعد الحال.
تجربتنا معكم بالمناسبة، أيها الوزراء، ليست سارة أو سعيدة، ونكشف لكم سراً: نحن لا نثق فيكم مطلقاً، إنما في الله سبحانه ثم ولاة الأمر، فتجارب الماضي وعلاقتكم معنا سابقاً لم تكن على مايرام. ولذا اعتمدت الدولة “برنامج التحوّل الوطني” الذي سيكلف قرابة (270) ألف مليون ريال في خمس سنوات من أجل تحسين وتفعيل الأداء الحكومي الذي لم يكن حسناً من قبل. السؤال: عرفنا كيف سيتحسن أداء الأجهزة الحكومية، لكن السؤال: كيف سيتحسن ويتفعل أداؤكم أنتم، أيها الوزراء، معنا؟ علمنا، أيضاً، أن أكثر من (500) ألف موظف حكومي سيخضعون لدورات تأهيلية في ظل برنامج تحسين الأداء الحكومي. لكننا نظن أن ما نحن بحاجة إليه هو خضوعكم أنتم لدورات تأهيل مكثفة لتحسين التعامل مع المواطن. أنتم القدوة وفي الواجهة، فالموظف الصغير يحاكي (يقلّد) الموظف الأكبر منه فبدءاً من أسفل الهرم كل موظف يشير بإصبعه على الدوام إلى الأعلى مشيراً إلى مكاتبكم. ولذا فأنتم، أيها الوزراء، الداء والدواء والعلة والمخرج. أنزلوا فضلاً إلى المواطن من مكاتبكم العاجية وتلمسوا احتياجاته بأنفسكم وتعلموا لغته واعرفوا حاجته ومظلمته من قراءة قسمات وجهه التي تعبر عن ذلك أصدق تعبير. ننصحكم بأن تتركوا “بشوتكم” في غرفة مخصصة بمجلس الوزراء للتصوير فقط عند انعقاد الجلسة الأسبوعية.
يتصور البعض منكم، أيها الوزراء، أنه أذكى الناس، وأعلم الناس، وأفضل الناس، وأنه أوتي مالم يؤت أحد من العالمين، وأنه من طينة غير طينة البشر. نقول لهذا “الوزير الطاووس”: لا، لا، لا، هذا غير صحيح مطلقاً. عندما تظن ذلك فأنت العكس تماماً، أنت أغبى الناس، وأجهل الناس، وأسوأ الناس، سكرتيرك أذكى منك بمراحل، لأنه يدير وقتك وجهدك ويصّرف لك أمورك. نقول له: أنت احتجبت لأنك أصغر من الكرسي ولا تريد للناس أن تشاهد ذلك الفرق بين الكرسي وبينك، فالطاووس يتباهى بريشه الملوّن ليخفي قبح قدميه. أنتم، أيها الوزراء، ونحن درسنا وتعلمنا وحفظنا عن ظهر قلب، جملة تقول “من تواضع لله رفعه”، فتواضعوا، أيها الوزراء، يرفع الله قدركم. يعتقد البعض منكم، أيها الوزراء، أن لقب “معالي” يفرض عليه أن يكون “عالي”، ويعتقد أن مخاطبة من حوله له بصيغة الجمع تعني أنه كل في فرد، وأنه واحد كألف، وعندما يطالبه الوكلاء ومساعديه بإعطائهم “توجيهاته” تدير رأسه خمر السلطة ويظن في نفسه الظنون. كما يعتقد معاليه أن النكتة السامجة التي يطلقها ويضحك منها كبار موظفيه مسليّة ومضحكة. لا، وألف لا، يا معاليك، فهذه النكتة قديمة وسخيفة وقد وصلت لجميع من حولك قبلك مرات عديدة عبر “الواتس”، هم يضحكون للمنصب ويضحكون عليك.
سنحتفل بعد أيام، أيها الوزراء، باليوم الوطني، فلماذا لا نجعل من هذا اليوم عيد حقيقي، لنجعله نهاية وبداية، نهاية لغطرسة بعض الوزراء، وبداية لتواضع كل الوزراء. لنتحد ونتشارك جميعاً في استشعار المسئولية المشتركة لخدمة هذا الوطن. دور تبادلي متقن، أنتم تخدموننا، أيها الوزراء، بكل شفافية وتواضع ولباقة ولياقة، ونحن بدورنا نخدم الوطن. فأنتم بحاجة لنا أكثر من حاجتنا لكم. صحيح أن لديكم بعض المميزات المعنوية والمادية، فأنتم من يقابل ويجتمع مع الملك وولي العهد وولي ولي العهد مرات عديدة كل أسبوع، وأنتم من تظهر صوركم على شاشات التلفزيون وفي الصحف. لكن نؤكد لكم أننا أعظم قيمة وأقرب مكانة عند ولاة الأمر منكم. فهونوا على أنفسكم، أيها الوزراء، واقتربوا منا وتفانوا في خدمتنا وتواضعوا معنا، ونؤكد لكم أن قيمتكم ومكانتكم سترتفع عند الله سبحانه، وعند الشعب، وعند ولاة الأمر، وعند أنفسكم. خذوا، أيها الوزراء، كل المميزات المادية حلال عليكم: المميزات، والبدلات، والشرهات، والإنتدابات، والسفرات وكل ماهو آت، آت. لكن تعاملوا مع المواطن بتواضع واحترام فالدين المعاملة.
يشعر المواطن تجاهكم، أيها الوزراء، بشيء من الحقد لسببين: (1) لأن المواطن يعتقد أنكم السبب خلف كل هذه الرسوم التي تزداد عليه يوماً بعد يوم وبسبب ذلك يتئاكل دخله بشكل متسارع سواء كان ذلك المواطن عامل أم عاطل؛ (2) لأن المواطن يرى أنكم بعيدين كل البعد عن تلمس حاجاته والتعرف على مظلمته عن قرب وفي ممارساتكم كثير من الاستعلاء وقليل من التواضع والتأدب معه. المنطق يفترض منكم، أيها الوزراء، أنه بقدر ارتفاع الكلفة والرسوم، بقدر نزولكم إلى المواطن. تنامي شعور الحقد لدى المواطن منكم، أيها الوزراء، هو أمر سلبي ومدمر. هو سلبي لأنه يفتت منظومة العمل المشترك لتحقيق التنمية التي أنتم ونحن مؤتمنون على إنجاحها. كما أنه مدمر للعلاقة بين الدولة والشعب لأنه يؤدي مع الزمن إلى تئآكل في أعمدة تلك العلاقة حتى لو كانت من الحديد. الدول والشعوب، أيها الوزراء، بينهم علاقة تزيدها الحكومات بوزرائها الأذكياء الحريصين العارفين المتواضعين قوة وصلابة، كما تزيدها الحكومات ببعض وزرائها الأغبياء المتكبرين ضعفاً وتفكك. نجزم أن لا أحد يشكك في وطنية أيا منكم، أيها الوزراء، لكن تلك الوطنية لا يمكن التثبت منها ألا بتعبيركم أنتم عنها بالممارسة وحسن النتائج والتواضع مع المواطن.
أخيراً، بالرغم من موجة التفاؤل التي انتابت المواطن عند إعلان رؤية 2030، إلا أن ذلك التفاؤل بدء في التلاشي مع انخفاض صوت التصفيق والمهايط الإعلامي الذي رافق “برنامج التحوّل الوطني”، بإنكفاءكم وابتعادكم واحتجابكم عن المواطن، ويرى البعض أنكم انكشفتم، أيها الوزراء، و”عادت حليمة لعادتها القديمة”، كما يقول المثل الشعبي، ونتمنى أن لا يكون الأمر كذلك، وأنكم بإذن الله محل الثقة التي وضعها فيكم ولاة الأمر. فاقتربوا من المواطن، أيها الوزراء، وتواضعوا للشعب وكونوا على أكبر قدر من الشفافية فبلادنا تمر بمرحلة حرجة وحساسة ودقيقة تتطلب منا جميعاً أن نتشارك أنتم، أيها الوزراء، بيد كخدام بيد المواطن كمخدوم. ختاماً، بلادنا بخير ولله الحمد، وإلى خير وعزة ورفعه ومستقبل أفضل، ومهما اشتدت الظروف في الداخل والخارج فسيبقى الوطن في قلوبنا جميعاً: المواطن وأنتم، أيها الوزراء، حفظ الله الوطن.
صحيفة بوابة مصر 11
أضيف بتاريخ :2016/09/20