المرونة السعودية: يبقى الأسد… وأهلاً بإيـران
بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة إلى أجل غير مسمى، كان من أهم نتائج مؤتمر ڤينا الذي إلتئم ونجح بفضل المرونة السعودية في تحريك القضايا العالقة وتبريد البؤر الساخنة في الشرق الأوسط. دعوة إيران إلى ڤينا ومشاركتها في المؤتمر، لم تكن لتتم لولا موافقة السعودية. سبع ساعات متواصلة من الإجتماع و “المناقشات الصريحة” من دون خروج أحد الأطراف الرئيسيين لم تكن لتحدث لولا الحكمة والمرونة السياسية السعودية. وإذا كان العالم يرى في مؤتمر ڤينا مؤشر واضح على دور روسيا المتنامي والمتزعم للعالم، فإن الدور السعودي يوازيه في الأهمية، مما يعني أن السعودية دولة محورية تتزعم قضايا منطقة الشرق الأوسط بإشراك الآخرين وليس إقصائهم وهذا مايؤكد مرونة السياسة الخارجية السعودية في التكتيك وثباتها في الإستراتيجية.
خلُص إجتماع ڤينا بمجموعة من النقاط: (١) الرئيس السوري بشار الأسد باق في السلطة، ولكن ليس إلى الأبد؛ (٢) الشعب السوري هو الجهة الشرعية الوحيدة التي تقرر من يحكم سوريا؛ (٣) الحفاظ على سوريا دولة علمانية وجغرافيتها وسيادتها ومؤسساتها؛ (٤) وقف لإطلاق النار بين الفصائل المعارضة للدولة والنظام في سوريا، لكن لا يشمل التنظيمات الإرهابية؛ (٥) لقاء بين الحكومة السورية والمعارضة السورية خلال أسبوعين في ڤينا؛ (٦) حكومة إنتقالية يشارك فيها شخصيات مختارة من الشعب السوري؛ (٧) دستور جديد للبلاد بمنظور مستقبلي ويؤكد عدم إختطاف المتطرفين أو الإسلاميين للحكم؛ (٨) إنتخابات برلمانية عامة تجري على الأراضي السورية يقرر زمانها ومكانة الوضع الأمني؛ (٩) إنتخابات رئاسية شفافة برعاية دولية ليقرر الشعب السوري قيادته. ولكن قبل تنفيذ كل تلك التوصيات والمقررات، وبالتزامن معها محاربة الإرهاب الذي أعطي تعريفاً واضحاً ومحدداً وهو كل نشاط معادٍ للدولة السورية.
موقف السعودية المعلن حول الرئيس الأسد لم يتغير، إلا آن تعليق الحديث والنقاش حول مصير الرئيس السوري، أو تخطيه كعقبة كؤود في ڤينا هو تكتيك دبلوماسي يحسب للسعودية. المرونة السعودية جاءت بعد أشهر من اللقاءات والإجتماعات بشكل سري وعلني مع كافة الأطراف المعنية وخصوصا روسيا التي تسلمت ملف الشرق الأوسطمتركزاً على الأزمة السورية. التحالف بين روسيا وإيران من جهة والنظام السوري أمر طبيعي لدولة مستقلة ذات سيادة، لكنه مقلق بالنسبة للسعودية لإنعكاساته الإستراتيجية والقومية والطائفية على النظام العربي بشكل عام وإخلاله بموازين القوى في الشرق الأوسط. ولذا، صرّح وزير الخارجية السعودي أن مشاركة السعودية في ڤينا هو لإختبار جدية روسيا وإيران في الرغبة في الحل.
لا نظن أن السعودية معنية بشخصنة الأزمة السورية في شخص الرئيس، لكن الإصرار على رحيل الأسد منذ البداية كان، في ظننا، واحد من أساليب الضغط على الرئيس السوري لتخفيف معاناة الشعب السوري. فالسعودية لا يهمها في ما حصل في سوريا سوى الشعب السوري وسلامة الأراضي السورية. وَمِمَّا يؤكد ذلك هو النهج السعودي والإصرار على الرئيس اليمني علي عبدالله صالح للتنحي ضمن المبادرة الخليجية. لكن تدهور الأوضاع في سوريا؛ وتكاثر المنظمات الإرهابية؛ وتشرذم ما سمي بالمعارضة؛ وتبخر ماسمي بالجيش الحر؛ والخشية من تكرار السيناريو العراقي، كلها مجتمعة وغيرها، زاد من قبول السعودية لوجهات النظر المغايرة وإظهار قدر كبير من المرونة.
نجاح روسيا في حسن قراءة ملف الشرق الأوسط وإحترام كافة دوله، في مقابل فشل أمريكا وإعتمادها المراوغة ومحاولتها دق أسفين في علاقات الدول الشرق أوسطية، كان من أسباب المرونة السعودية في عدد من قضايا المنطقة. من ناحية ثانية، المكر السياسي التركي ومحاولتها الهيمنة على دول المنطقة منذ بداية الربيع العربي والتسويق وتهيئة الإسلام السياسي ليحكم المنطقة تحت مظلة أردوغان، لم يغب عن بال التفكير الإستراتيجي السعودي، ولذا أظهرت السعودية مرونتها السياسية. المرونة السياسية السعودية في ڤينا أزعجت دولاً كثيرة وبالأخص دولتين: تركيا وقطر وقد بدا التجهم واضحاً على مسئولي البلدين.
نجاح مؤتمر ڤينا إنعكس أيضاً على العلاقات بين السعودية وإيران وقد ظهرت مؤشراته في المنامة على لسان وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، حيث أشار الى عدة نقاط هامة: (١) قرب إنتهاء الحرب في اليمن وأنها في مراحلها الأخيرة؛ (٢) أن مؤتمر ڤينا تميز بالمناقشات الصريحة بين كل الأطراف – وعندما يذكر الوزير الجبير “كل الأطراف” فإننا نفهم إيران، وهل يسبق المصالحة إلا المصارحة؟؛(٣) الترحيب بالإتفاق النووي الذي يعتبر فرصة لتثبت إيران حسن نواياها لإعادة الإندماج ولعب دور فعّال في المنطقة؛ (٤) عدم ممانعة السعودية في تعزيز العلاقات مع إيران؛ (٥) الإشادة بالموقف العُماني الذي يهدف الى تقريب وجهات النظر مع سوريا. (صحيفة الرياض، الأثنين، ٢ نوڤمبر ٢٠١٥م )السعودية دولة قيادية كبرى في الشرق الأوسط، ولا يعزز دورها القيادي أن تكون منفردة او تقود دولاً هامشية. كما أن إيران دولة وشعب لا يمكن تناسيها أو إقصائها أو إهمال دورها، والسعودية وحدها القادرة على تصنيف ذلك الدور الإيراني أما بالإحتواء فيكون إيجابياً تعميرياً، أو بالإقصاء فيكون سلبياً تدميرياً. الشرق الأوسط منطقة حيوية وحسن إدارته ستعزز من مكانة دوله والإعجاز هو جمع القوى المؤثرة في المنطقة: السعودية وإيران ومصر وسوريا والعراق خمس دول رئيسية ومحورية ويمكنها تشكيل منظومة تعاون ينعكس على شعوب المنطقة في شتى النواحي
أخيراً، بقاء الرئيس بشار الأسد أو رحيله متروك للشعب السوري وحده، كما أن التركيز على شخص رئيس او زعيم هو إستخفاف بشعب بأكمله وإطالة وتعطيل للحل، وقد أحسنت السعودية صنعاً بأن أظهرت مرونة كلها تصب في مصلحة الشعب السوري لكي يكون سيّد الموقف. أما التقارب مع إيران فهو زيادة قوة وتمكين للسعودية وأمن وإستقرار وإزدهار للخليج والمنطقة والعالم. ختاماً، السعودية دولة كبيرة بقادتها وحكمتهم في حسن التعامل مع الأزمات والأحداث الكبرى منذ عهد المؤسس، وهذا سر بقائها وقوتها. حفظ الله الوطن.
الكاتب: طراد بن سعيد العمري
المقال لصالح صحيفة أنحاء.
أضيف بتاريخ :2015/11/02