خيانات اقتصادية إدارية
خالد صالح الفاضلي ..
كان والدي بقوة ألف وأربعمئة ريال شهري فقط، كراتب تقاعدي، ومسؤوليات بحجم زوجة و11 طفلا وطفلة، كذلك مصاريف مزرعة، وفاتورة كرم كبير هي عمود الحياة في مجتمع القرية، تحديداً قبل 20 سنة فقط.
ثم، بشكل متسارع، توسعت دوائر الاستهلاك المعيشي نتيجة ليونة (وليس مرونة) في قوانين الاتجار والتجارة داخل السعودية، وبمعنى مرادف ومختصر (قام التجار بتوسيع وتنويع دوائر الاستهلاك المعيشي) لدرجة أنني بـ 20 ضعف راتب والدي لا أستطيع تحقيق استقرار سكني ومعيشي لأسرتي كما كان يفعل.
انهمك عشرات الآلاف من التجار في وضع غالبية الشعب السعودي تحت خط الفقر، (ربما ليس بقصد، ونوايا سوداء) لكن تلك نتيجة التاريخ التجاري السعودي، خاصة القادمين من بيئات فقيرة، تماماً كألعاب الكمبيوتر في الثمانينات الميلادية، لعبة «باك مان» أنموذجاً.
ساهمت هيئة المواصفات والمقاييس، وكذلك الجمارك السعودية أيضاً في سحب أموال السعوديين من جيوبهم مقابل السماح للتجار باستيراد بضائع ذات جودة وصلاحية متدنية، أحرقت مدخراتهم، وأيضاً أحرقت كل حلم تصنيعي صغير أو متوسط.
قام بعض المقاولين السعوديين بسرقة المال العام وحقن الأراضي السعودية بمشاريع وهمية للبنية التحتية، موجودة على الرسومات فقط، تساندهم قوانين (تمنع الشركات الأجنبية من تنفيذ مشاريع بدون وجود مقاول سعودي في الصدارة)، وكذلك فساد مالي كبير، ورشاوى اخترقت غالبية كراسي كبار مديري وموظفي البلديات والأمانات، رغم أن تجربة الهيئة الملكية في الجبيل وينبع كانت شاهدا على نزاهة المقاول الأجنبي وجودته.
حدث تسريب كبير في قنوات التمويل الحكومي لمشاريعها الإستراتيجية خلال الـ30 السنة الماضية، الشركاء كثيرون، النتيجة يحددها واقع التنمية في السعودية، أما العقاب فيحدده فتح ملفات تحقيق، ومن خلال التحقيقات سنكتشف أن السرقات كانت كافية لبناء مئة (إرم ذات العماد) مجدداً في الربع الخالي.
كان صانع القرار والقوانين في وزارات التجارة، البلديات، وبعض الوزارات غير مبصر لارتفاع أفق خط الفقر بتسارع، وركض التجار نحو توسيع دوائر الاستهلاك المعيشي، وقدرة مقاولي البنية التحتية على قبر المشاريع الحلم تحت الأرض، وتحويل الرسم الهندسي (خربشات على ورق فقط) إلى ثروات ومليارديرات جدد.
قام المقاول السعودي بذبح ودفن أحلام التنمية، بمشاركة سعوديين آخرين كانوا في أمانة مراقبة المقاول والمشاريع، بينما جاء كساد عمارة الإسكان كنتيجة حتمية للعدوان الثنائي (التاجر والمقاول)، بالإضافة لأخطاء كبرى بحجم تأجيل بناء قاعدة بيانات التوصيف الوظيفي، وغيره.
الخلاصة، يجيء المواطن ثانياً بعد الدولة (ثمة فرق بين الدولة والحكومة) في سلبيات التعرض المديد والعريض لخيانات اقتصادية وإدارية مارسها السعوديون (التاجر والمقاول) ضد بلدهم، مما نتج عنه أنني أعجز عن مجاراة والدي - غفر الله له - في رعاية الأسرة، رغم أن راتبي 20 ضعف راتبه، لا أملك منزلاً، وأخاف من رب عملي، أخاف من أن ترميني شمس غد من على جرفي الهاوي.
صحيفة عكاظ
أضيف بتاريخ :2016/10/04