العالم العربي... من لوكربي إلى جاستا
قاسم حسين ..
سيطول الحديث عن قانون «جاستا» الذي يهدّد بوضع اليد على المدخرات السعودية في المصارف الأميركية، باعتباره أكبر عملية ابتزاز في التاريخ.
الخطوة لم تكن متوقعةً من قبل الكثيرين في المنطقة، لكن من يعرف تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، في تعاملها مع الأصدقاء والأعداء، لم يفاجأ بما جرى، رغم فظاعته. فأنت أمام دولةٍ كبرى، ستصادر أموال دولةٍ أخرى تربطها بها علاقات صداقة إستراتيجية طويلة الأمد، يمكن أن تتكرّر مع آخرين.
في السياسة الأميركية، هناك سوابق، ويتذكر الكثيرون حادث تفجير طائرة «بان أميركان» فوق بلدة لوكربي الاسكتلندية عام 1988، الذي أسفر عن مقتل ركابها الـ270، واتهمت الولايات المتحدة وبريطانيا الليبي عبدالباسط المقراحي بالتفجير، وطالبتا ليبيا بتسليمه في 1991، وحين رفضت فُرضت عليها عقوبات اقتصادية وخضعت للحصار لأكثر من عقد.
كان المخرج للطرفين في 2000، حين تم التوصل لمحاكمة المقراحي على أراضي دولة ثالثة، وهو ما تمّ في هولندا، حيث حُكم عليه بالسجن المؤبد في 2001، ولم يطلق سراحه إلا بعد أن أصيب بالسرطان. أما ليبيا فلم تخرج من تحت الحصار إلا بعد أن دفع العقيد معمر القذافي عشرة مليارات دولار كتعويضات لأهالي الضحايا، مع التخلّي عمّا امتلكه من أسلحة كيماوية وشحنها بحراً للموانيء الأميركية، وإعادة علاقاته مع الدول الغربية المتشددة ضده، خصوصاً فرنسا وإيطاليا، مستخدماً الكثير من المال والصفقات.
السياسة الأميركية المتقلبة، التي تُعتبر في الشرق لؤماً وضِعَةً، تعتبر في الشطر الآخر من العالم شطارةً وفناً. وهو ما يستوجب عدم التهوين من خطورة قانون جاستا، فهو سيفٌ سلّته أميركا على رقاب دول المنطقة، لوضع يدها على مدخراتها في المصارف الأميركية، وباسم القانون وملاحقة الإرهاب وداعميه.
لقد بدأت مرحلة سياسية جديدة في تاريخ المنطقة، مختلفة تماماً عن المراحل التي عشناها، أو قرأنا عنها خلال السبعين عاماً الأخيرة. فهناك انقلابٌ كبيرٌ في الموقف الأميركي، يبدو غير مفهوم ولا معقول أو مبرر. وهو ما يجب علينا أن نستوعبه إذا أردنا أن نعرف السياسة على حقيقتها، وما تقوم عليه ثوابتها: «لا أصدقاء دائمون ولا أعداء دائمون... وإنما هناك مصالح دائمة».
في هذه المرحلة الجديدة، وضعت الولايات المتحدة عينها الآن على المال الخليجي، كما وضعت عينها في السبعين عاماً الماضية على النفط، ورسمت سياستها وفق ذلك، فدخلت الحروب وشنت الغزوات واحتلت البلدان. فلا يُتوقع الآن أن ترفع عينها عن المال قبل أن تنال منه نصيب الأسد. هذه سياستها المعلنة، التي أقرّتها بالإجماع سلطتها التشريعية، بمجلسيها النواب والشيوخ، وسيطبّقها الرئيس المقبل، سواءً كانت هيلاري كلنتون أو دونالد ترامب.
إنها داهية كبرى، ستحيق بالمنطقة، وتحتاج على الكثير من التروي لاستيعابها والتعامل معها، فلا يمكن مواجهتها بالانفعالات الإعلامية كما نرى حالياً، أو إطلاق دعوات مقاطعة البضائع الأميركية، كما حدث في الرسوم الدنماركية، فالمخطط أكبر، والفخ أكبر مما يتصوّر.
إن قانون «العدالة لرعاة الإرهاب»، واسعٌ وفضفاضٌ جداً، فهو لا يقتصر على السماح لأهالي ضحايا هجمات 11 سبتمبر بطلب التعويضات، أو شركات العقار والتأمينات والفنادق والمباني المتضررة في محيط برجي مركز التجارة العالمي، بل يمكن أن يستفيد منه ويستنفع، كل من أصيب بأية أضرار، جسدية أو مادية، أو معنوية أو نفسية، حتى لو تضرّر من السخام أو الغبار المتطاير أثناء انهيار البرجين.
في لوكربي فُرضت على ليبيا تعويضات بمبلغ عشر مليارات دولار، لأهالي أقل من 300 ضحية، فكم ستفرض من تعويضات مقابل 3000 ضحية في هجمات نيويورك؟ وكل ذلك سيجري باسم القانون لإرضاء آلهة الجشع الأميركية.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2016/10/05