فصل البحرينيات... هشاشة قانون أم هشاشة سوق العمل؟
قاسم حسين ..
اعتصمت مجموعة من المُتدرِّبات في مجلس بلدي المنطقة الشمالية أمام وزارة العمل صباح الإثنين الماضي، بعد سبع سنوات من العمل «المؤقت»، حيث أنهيت عقودهن يوم الثلاثين من سبتمبر/ أيلول الماضي.
المؤسف أن مثل هذا المشهد بات مألوفاً في البحرين منذ سنوات، وهو قلّما نشاهده في أية دولة خليجية أخرى، فللمواطن هناك أولويةٌ في بلاده، من ناحية فرص العمل والأولوية في التوظيف، وهو حقٌ لا يجادله فيه أحد، يحميه القانون والسياسات الوطنية والأعراف السائدة.
المتدربات من مجموعةٍ عُرفت في الإعلام بـ «قائمة 1912»، التي ضمّت هذا العدد الكبير من الخريجين الجامعيين من الجنسين، الذين ظلوا عاطلين عن العمل لسنوات طويلة، بسبب سياسات التوظيف القائمة، وقد نظّموا اعتصاماتٍ كثيرةً للمطالبة بحقهم في العمل بوظائف تناسب مؤهلاتهم العلمية. وبعد جهدٍ جهيد، تم استيعاب عدد منهم، في وظائف مختلفة، وبعقود مؤقتة، يجري تمديدها كل ثلاثة أشهر، مع تهديدهن بإلغائها بين فترةٍ وأخرى.
المجموعة المذكورة تم توظيفها للعمل في مجلس بلدي المنطقة الشمالية منذ العام 2009، براتب قدره 300 دينار، وبعد الاستقطاع يتبقى لهن 270 ديناراً. وفي اليوم الأخير، تفاجأن بوصول مراسلٍ يطلب منهن «تسليم العهدة»، على رغم أنه لم يكن لديهن عُهَد!
المتدربات صرحن للصحافة أنهن كنّ يؤدين أكثر من وظيفتين في الوقت ذاته من دون تذمر، وطوال السنوات السبع الماضية، كان يحدوهن الأمل بتثبيتهن، كما حدث لاحقاً لـ»المتطوعات»، رغم أن الراتب كان أقل من راتب الخريج الجامعي؛ ولم يحصلن على زيادة أو تتغير أوضاعهن باتجاه الاستقرار الوظيفي.
وزارة العمل المفترض أنها حصنُ العمالة الوطنية وملجأها والمدافع الأول عن مصالحها، نصحتهن بالبحث عن عمل آخر! وفي ذلك إشارةٌ إلى شلل الوزارة وعجزها التام في معالجة تظلمات المواطنين وتصحيح أوضاعهم المتأزمة، في ظل سوق عملٍ يزداد توحشاً.
إحدى المتدربات المفصولات اتصلت بالهاتف مساء الخميس الماضي، شاكيةً الحال، ومما قالته «إن أحداً من المسئولين لم يلتق بنا، ليسأل أو حتى يبرّر ما جرى، فتمّ الاستغناء عن خدماتنا بكل سهولة، ومن دون أن نتلقى حتى كلمة شكر. لم يكن هناك أي تقدير أو كلمة واحدة ولو من باب تطييب الخواطر، تصوّر! فضلاً عن أننا أصحاب أسر، وعلينا التزامات مالية من قروض ومصاريف عائلية».
كان جرحها نازفاً، وتتكلّم بحرقة وألم، فبين ليلة وضحاها تجد نفسك عاطلاً عن العمل، وتفكّر بما ستواجهه غداً: المصاريف اليومية، واحتياجات الأطفال، والالتزامات المالية كالقروض التي لا يخلو منها تسعون في المئة من المواطنين البحرينيين. وهي حالاتٌ واجهها آلافٌ من البحرينيين منذ فبراير 2011، في عمليات الفصل الجماعي من العمل لأسباب سياسية، وساهم البعض عن جهالةٍ أو هوى، في استفحالها عبر التحريض وبث الكراهية وتمزيق المجتمع.
لم يكن لديّ وأنا أسمع شكواها، غير طمأنتها بأن الأمور ستتغيّر حتماً، وأن الله سيفتح أمامهن أبواب الرزق التي يحاول سدّها غيره، فإنما أمره أن يقول للشيء كن فيكون.
المجالس البلدية مجتمعة، أنهت الخميس الماضي عقود 66 متدربة ضمن قائمة الـ1912، ولم تبذل أية جهود حقيقية لتدريبهن وتثبيتهن في وظائفهن... فآخر ما يُفكّر فيه في هذا البلد بوضعه الاقتصادي الصعب، الحفاظ على العمالة الوطنية!
القصة كلها تعكس هشاشة سياسات وزارة العمل والشئون الاجتماعية؛ وهشاشة قانون العمل الذي أصبح بعد التعديلات الأخيرة أكثر اهتماماً بمصالح أرباب العمل والأجانب على حساب «أولاد الديرة»؛ وهشاشة سوق العمل الذي يولّد أغلب الوظائف للوافدين؛ وهشاشة وضع المواطن البحريني الذي بات يشعر بمزيدٍ من الغربة والتهميش في بلاده المغرمة باحتضان الغرباء.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2016/10/06