آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
طراد بن سعيد العمري
عن الكاتب :
باحث وكاتب في العلاقات الدولية؛ الشئون الإستراتيجية؛ الدراسات العسكرية؛ المجتمع الخليجي؛ وشئون العمل والبطالة

السعودية وحرب نووية في العراق و سوريا

 

طراد بن سعيد العمري ..

يتوجب على السعودية أن تحذر من أن تنساق خلف بعض الدعاوى التي تدفع السعودية نحو مواجهة مباشرة أو غير مباشرة في العراق أو سوريا ضمن تحالف إقليمي أو دولي، وتحت أي ذريعة، سواء كانت دينية، أو طائفية، أو قومية، أو عربية، أو إنسانية، أو أخلاقية. الموقف الإقليمي الدولي محتقن والحرب باتت صنيعة القوى العظمى لإعادة هيكلة النظام الدولي والمصالح الجيوسياسية، وذريعة للدول الإقليمية الفاشلة للخروج من أزماتها الداخلية سواء تركيا أو إيران أو إسرائيل، والبحث عن سراب الإمبراطوريات. السعودية لديها نزاع عسكري يقف على حدودها الجنوبية ويتمنى الجميع إنهاءه بأفضل السبل وأسرعها. السعودية هي الدولة المتبقية في قائمة الدول المستهدفة بالفوضى الخلاقة ويراد إسقاطها وتقسيمها بحيّل شتى. كما أن بين يدي السعودية مشروع تنموي حضاري مستقبلي في الداخل تعبر عنه رؤية 2030 يحتاج لكل الجهد والوقت والمال، وليس من الصواب أو الحكمة تشتيتها في سراب سياسي. صحيح أن ما يحدث في العراق أو سوريا مؤلماً، لكن تلك النزاعات والحروب ليس للسعودية فيها ناقة ولا جمل. كما أننا نؤكد أن لا حرب مشروعة وعادلة يجوز للسعودية دخولها أو الانخراط فيها، ويغفر لها التاريخ ذلك، سوى الحرب الوجودية Existential War التي تهدد وجود السعودية بشكل واضح لا لبس فيه أو تمس حدودها وأراضيها بشكل مباشر، ومالا فلا.

 

الموقف السياسي في العراق مختلط ومعقد وأحمق وأعمق مما يحاول البعض تبسيطه، وأي انسياق خلف مواجهة عسكرية في ذلك القطر ضمن تحالف دولي أو إقليمي ستكون أثاره سلبية وعكسية. الأجندة الأمريكية غير واضحة وتتغير بين عشية وضحاها وتحالفاتها غير مأمونة أو مضمونه. كما أن الارتباط التكتيكي والميداني بين مايحدث في العراق وبين مايحدث في سوريا يجعل من المهمة أكثر خطورة، ويفضي إلى مستنقع يصعب الخروج منه. الهيمنة والمصالح الأمريكية في العراق من جانب، والهيمنة والمصالح الروسية في سوريا، من جانب آخر، يعقد الموقف ويجعل جيوش الدول الإقليمية الصغيرة ودولهم من خلفها مجرد أدوات ولعبة في أيد القوى العظمى. كما أن التدخل العسكري التركي المرفوض في العراق وميوعة الموقف في إقليم كردستان العراق من ناحية، والأطماع التركية في خلق منطقة عازلة في شمال سوريا بمساحة (5000) كم مربع، من ناحية أخرى، يجعل من الاقتتال محتدماً ومربكاً. تشكيل الحشد الشعبي الشيعي في العراق وارتباطاته الثقافية والعقدية مع وجود إيراني وميليشيات متحالفة معها في سوريا سيؤدي بالأمر للخروج عن السيطرة.

 

دعونا نتأمل “ليس للسعودية أطماع خارج الحدود” هي عبارة كررها أكثر من مرة مؤخراً وزير الخارجية السعودي في محاضرة بالمعهد الملكي للعلاقات الدولية (تشاتهام هاوس) قبل أسبوعين (7 سبتمبر 2916) وشرح الجبير بكل اقتدار السياسة الخارجية السعودية بأنها تركز على الداخل بهدف تحسين مستوى دخل حياة المواطن السعودي، وأن استمرار الحرب في اليمن يشكل قلقاً بالغ، مما يوحي بمنطق الحكمة في السياسة الخارجية السعودية كما يجب أن تكون، والذي نأمل إن يكون كذلك ولا يكذبه الواقع. فأي تدخل سعودي خارج الموقف السياسي أو الدبلوماسي للأزمة في العراق أو سوريا سيكون سلبياً. جر السعودية إلى نزاعات خارجية بحجة حماية السنة في عراق تواصل فيه الشقاق والنفاق منذ عهد الحجاج، أو أي بلد آخر هو تكتيك أمريكي وتركي وقطري لأجندتهم الخاصة للعب على الوتر الطائفي، كما أن انسياق السعودية بأكثر من التعاطف السياسي خلف ما يسمى زوراً وبهتاناً بـ “المعارضة المعتدلة” هو ورطة وكمين تم نصبه في العام 2011 من الولايات المتحدة وتركيا وقطر بدعاوى أخلاقية وإنسانية ثبت كذبها وفشلها.

 

فضحت الأزمة السورية المتواصلة منذ أكثر من (5) أعوام اللعبة الأمريكية التي لم تكن خافية إلا على الأغبياء والسذج بأن ماجرى في سوريا هو ثورة شعبية، كما فضحها علناً رولان دوما وزير الخارجية الفرنسي الأسبق على التلفزيون الفرنسي، وفضحها علناً، أيضاً، وزير الخارجية القطري الأسبق في حديث مطول مع صحيفة الفاينانشال تايمز. أكذوبة “المعارضة المعتدلة” واحدة من الأدلة على الأجندة الغربية الأمريكية التي لا تقل عن كذبة الجنرال الأسمر كولن باول في مجلس الأمن قبيل احتلال العراق. لم يشهد التاريخ معارضة توصف بـ “المعتدلة” وهي مسلحة بصواريخ “غراد”، لكن مصطلح “الاعتدال” يعني في القاموس الأمريكي: “المتوافق مع المصالح الأمريكية والغير معادي لإسرائيل”، تماماً مثل مصطلح “دول الاعتدال العربي” الذي ساد ثم باد حقبة من الزمن. المصالح القطرية والتركية قضت في العام 2011 تنفيذاً للإرادة الأمريكية أن تغيّر النظام السوري بات حتمياً، لكنهم عجزوا تماماً، وظهر أن اللعبة أكبر مما تصور الخيال الإقليمي والأوروبي والأمريكي. ولذا فإن أي ارتباط للسعودية بما يجري في سوريا هو خطأ إستراتيجي جسيم مهما حاول البعض تمريره أو تبريره، وبقدر انسحاب السعودية من التدخل والانجرار خلف حجج واهية في العراق وسوريا بقدر تخفيف العواقب السيئة الناتجة عن ذلك على المستويين المتوسط والبعيد.

 

تحتاج السعودية إلى الإسراع في صياغة مراجعة رباعية للسياسة الإستراتيجية 2017-2021 Quadrennial Strategic Policy Review في أربعة محاور: (1) الانسحاب من أي نزاع خارج الحدود السعودية مهما حاول الآخرون تسويقه أو تمريره (2) انتهاج سياسة ودية وصديقة على المستويين الإقليمي والدولي؛ (3) إعادة تقييم العلاقة السعودية الأمريكية حسب المستجدات فيما بعد قانون “جاستا”؛ (4) التركيز على الداخل بما يتفق وإنجاح ورؤية 2030، وإعادة النظر في كل صفقات التسليح مع الخارج وتحويلها إلى اتفاقيات مدنية تنموية. التحديات التي ذكرها وزير الخارجية السعودي في لندن لتنفيذ رؤية 2030 مثل: تمكين الشباب؛ وخلق ثقافة الابتكار؛ وتشجيع ريادة الأعمال؛ واستقطاب الاستثمار الداخلي والخارجي؛ وبناء المصانع ورفع القدرة التصنيعية؛ وإيجاد مناطق للاستثمار في التعدين والسياحة والترفيه وتقنية المعلومات ضمن شراكات عالمية؛ يتطلب جهدا مضاعفاً يُبنى على علاقات دولية متميزة، وفي بيئة بعيدة كل البعد عن النزاعات والمماحكات السياسية والقلاقل.

 

انشغال السعودية في أي نزاعات خارجية لن يحل أي أزمات أو تحديات داخلية تتمثل في: محاربة الإرهاب والتطرف؛ ومكافحة الفساد؛ وحل أزمة البطالة المتفاقمة؛ وإسكان المواطنين الذين طال انتظارهم؛ والتعامل مع تحدي تطوير الرعاية الصحية والتعليم وخصخصتها؛ وتطوير الرعاية الإجتماعية، كل تلك التحديات وغيرها ستؤجل وستتفاقم في حال النزاعات الخارجية. من ناحية أخرى، قد يكون من السهل الدخول في النزاعات الخارجية العسكرية تحت ذرائع شتى، لكن الخروج من تلك النزاعات والحروب قد لا يكون متاحاً أو سهلاً كما يتصور البعض. كم من نزاع أو حرب في التاريخ المعاصر، أكد أنصاف السياسيين أو جنرالات العسكر، أنها ستنتهي في أسابيع وأشهر قليلة، لكنها دامت واستمرت سنوات؟ دخل صدام حسين حربه مع إيران بناء على تقدير موقف يؤكد انتهاء الحرب وتحقيق أهدافها خلال (3) أسابيع لكنها استمرت (8) سنوات 1980 – 1988 واستنزفت الكثير من الموارد المالية للعراق ودول الخليج، وقتلت ملايين من الشعب العراقي، وعطلت التجارة العالمية في الخليج العربي، وبذرت بذور احتقان كان ولايزال، كما ولّدت حروب أخرى.

 

السعودية معنية بماهو داخل حدودها الجغرافية وأمنها من خطر وجودي فقط، وماعدا ذلك يمكن التعامل معه بالتعاطف السياسي والدبلوماسي. التدخل في شؤون الدول والأمم الأخرى ليس من منهج السعودية، ولا يجب أن يكون، مهما بلغ التعاطف القومي أو المذهبي أو الطائفي أو الديني. كما أن الاعتبارات الإنسانية والأخلاقية مهمة لكن في حدود الموقف السياسي والدبلوماسي والمساعدات الإغاثية. عانت السعودية أيما معاناة من العاطفة والطيبة السعودية ضمن مواقف سياسية يسجلها التاريخ، لكن انعكس كثير من تلك المواقف، مع كل أسف، سلباً وجحوداً ونكراناً، بل وتهجماً على السعودية. إذا كانت السعودية، كما جادل وزير الخارجية السعودي في لندن، تعيب على إيران وتنتقدها في كافة المحافل الدولية بأنها تتدخل في شؤون الدول المجاورة وتُصدر منهجها للخارج، وتعتبر أن حماية الشيعة في الدول المجاورة حق لها، فحري بالسعودية أن لا تفعل الشيء ذاته في أو مع أي دولة. كما أن إصرار السعودية على رحيل رئيس دولة مستقلة ذات سيادة بصرف النظر عن الحب والكراهية، هو منطق سياسي مخالف لكل الأعراف والقوانين الدولية، قد يؤدي إلى نتائج عكسية في المستقبل. فشرعية أي نظام سياسي هو من القداسة بحيث لا يجوز لأحد غير شعب الدولة ذاتها التدخل فيه. كما أن الإصرار الخارجي على تغيير الأنظمة يزيد تلك الأنظمة قوة وثباتا وتلاحماً مع شعوبها، إذ ليس هناك من شعب حر يقبل بفرض أنظمة عليه من الخارج.

 

أخيراً، بالرغم من أن الخلاف الروسي الأمريكي المستجد حول سوريا يصنف حسب بعض المراقبين ضمن الحرب الإعلامية لتحقيق نقاط تفاوضية وتوريط حلفاء إقليمين، إلا أن في الأفق بوادر تصعيد للأزمة في العراق وسوريا من الموصل حتى حلب، قد يؤدي إلى اشتعال حرب شاملة تراوح بين العالمية والإقليمية. كما أن السعودية يراد لها أن تتفتت وأن تزول حسب جدول ومخطط الفوضى الخلاقة الذي بدأ بُعيد احتلال العراق في العام 2003. ولذا فإن السعودية في موقف يتطلب منها إعادة التفكير جدياً وسريعاً في نسبة مشاركتها وتعاملها مع الأزمات الإقليمية ضمن مراجعة رباعية للسياسة الإستراتيجية لتتمكن من تنفيذ رؤية 2030 التي تجمع بين تنمية المواطن والوطن في الداخل، وتحقيق الرخاء والازدهار للمحيط الإقليمي والدولي في الخارج. ختاماً، سألت عالم جليل عن تفسير “التقوى” في الآية الكريمة المحفورة أمام مبنى الخارجية السعودية في جدة: “وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم” فقال شيخنا فتح الله عليه، التقوى هاهنا هي: كف الأذى والحذر. حفظ الله الوطن.

 

صحيفة بوابة مصر 11

أضيف بتاريخ :2016/10/09

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد