آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
طراد بن سعيد العمري
عن الكاتب :
باحث وكاتب في العلاقات الدولية؛ الشئون الإستراتيجية؛ الدراسات العسكرية؛ المجتمع الخليجي؛ وشئون العمل والبطالة

خالد التويجري يقتحم السياسة

 

طراد بن سعيد العمري ..

اقتحم الشيخ خالد بن عبدالعزيز التويجري، رئيس الديوان الملكي الأسبق، الشأن السياسي عبر تويتر، مما أحدث الكثير من اللغط والاستغراب، ولا يُعرف فيما إذا كان التويجري أُقحم أو اقتحم السياسة مجدداً لأي سبب. ولا نظن أن ساحة تويتر هي المدخل المناسب لشخصية في حجم ووزن الشيخ خالد في قضايا سياسية إستراتيجية. سجَّل التويجري موقف ضد مصر بعد جلسة مجلس الأمن الخاصة بسوريا، مستجيباً لهاشتاق “مصر تصوت لصالح المشروع الروسي”، بتغريدة قصيرة، يراها البعض ذات دلالات ومعاني، تقول: “أسف مابعده أسف يافخامة الرئيس أن يحدث ذلك منكم تجاه المملكة بالذات. أنسيتم مواقفنا معكم كأشقاء!!”. كانت تغريدة شاذة وشاردة، حسب رأي البعض، وانشغل القوم جراها واختصموا. أقحم خالد نفسه في السياسة بعد أن غاب عن الأنظار لسنوات عمل فيها بصمت مع الملك عبدالله بن عبدالعزيز، رحمه الله، في منصب هام وحساس مليء بالأسرار. المناوشات التويترية مع مصر لم تهدأ بعد مؤتمر “غروزني” في حملة تزعمها “الأخونجية”. لكن تغريدة التويجري جاءت مختلفة تماماً عن ما سبقها من مناوشات لأنها تعني الكثير. فماهي الأسباب التي دعت وزير سابق في الديوان الملكي يقتحم السياسة عبر تويتر في أكثر القضايا تعقيداً وهي الشأن السوري، ومع دولة كبيرة بحجم مصر، في هذا التوقيت المرتبك، وبصياغة تتخذ طابع رسائل سلبية متعددة؟

 

اختلفت الولايات المتحدة وروسيا حول سوريا بعد اتفاق كاد أن يتم، لولا خبث أمريكي من المراوغة والتعطيل، وتم نقل الأمر لمجلس الأمن عن طريق الإيحاء لفرنسا لتقديم مشروع قرار يحمل المراد الأمريكي. هذا في حد ذاته يُعطي دليلاً مؤكداً أن الخلاف بين القوتين العظميين بلغ مبلغه وأن أي قرار لن يمر. تم عقد الجلسة وتم عرض القرارين للتصويت، فصوتت مصر لصالح القرار الفرنسي الأسباني، كما صوتت مصر، أيضاً، لصالح القرار الروسي. ماهي المشكلة إذاً؟ كما كان من المعروف حسب كلمة الرئيس قبل الجلسة أن المجلس لن يوافق على أي منهما. المثير، أن عبدالله المعلمي، المندوب السعودي الدائم لدى الأمم المتحدة، صرح عقب الجلسة بحديث لم يوفق فيه، أزدرى فيه ضمنياً دولاً مثل السنغال وماليزيا بهدف توجيه الملامة لمصر، وبدلاً من أن يحيي مصر ويشكرها على تصويتها المزدوج، وجه اللوم والأسف لمصر وكأنها تملك حق الڤيتو أو تملك تمرير أي من القرارات في مجلس الأمن. كان الخلاف الروسي الأمريكي يدور حول خبث أمريكي يكمن في مايسمى “المعارضة المعتدلة” التي تريد أمريكا لها أن تبقى آمنة لمئارب أخرى. وإلا هل يقبل فرد أو دولة في العالم معارضة تمتلك صواريخ “غراد” ومدفعية ومسلحين، وتسمى وقاحة وبجاحة بـ”المعتدلة”؟ أم هو فنون الجنون الأمريكي؟

 

تغريدة الشيخ خالد التويجري جاءت لتصب الزيت على النار في علاقات البلدين في وقت لم يبق للسعودية من حليف أو صديق يعتد به ويعتمد عليه سوى مصر. وهنا يتساءل البعض: هل انتهىت حقبة العسل بين السعودية ومصر؟ وهل استبدلت السعودية مصر بتركيا بعد زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف إلى تركيا وإجتماعه بالرئيس التركي؟ وهل نجح الإسلام السياسي في دق إسفين في العلاقات بين الدولتين؟ أم أن هناك صلح في الأفق القريب مع إيران ولم يعد للسعودية حاجة في مصر؟ نتبرع بالإجابة مبدئياً، ونجادل بأن العلاقات السعودية المصرية إستراتيجية وعميقة، أو هكذا يفترض، لدرجة لن يؤثر فيها تغريدة يكتبها الشيخ التويجري، أو مقال يسطره كاتب. العارفون بعمق العلاقات وحساسيتها يذهبون إلى أبعد من ذلك بالقول أن السعودية تعمل بتنسيق كامل مع الخارجية المصرية في كثير من المواقف الحساسة، وأن تبادل الأدوار بين مصر والسعودية يسير في أفضل حالاته. فالسعودية تعلم أن موقف مصر الغير متطابق مع السعودية في عدد من القضايا سيوسع من خيارات السعودية السياسية.

 

يرى البعض أن تغريدة خالد التويجري، لا تعدو كونها رأي شخصي كمواطن سعودي في شأن سياسي عام، وأن تحميلها أكثر من ذلك ليس إلا لغط في أذهان عشاق نظرية المؤامرة. أما فريق آخر فيرى أن تكرار تدخل شخصيات سعودية غير رسمية في الشأن السياسي الخارجي بحجج “المواطنة” تكرر مؤخراً مع إيران وإسرائيل ومصر. (1) الأمير تركي الفيصل، رئيس الإستخبارات الأسبق، شارك قبل أشهر في مؤتمر المعارضة الإيرانية بباريس، وقال كلاماً خطيراً، ومع هذا لم تعلق الخارجية السعودية؛ (2) زار اللواء المتقاعد أنور عشقي إسرائيل وأجرى محادثات شبه رسمية مع عدد من الإسرائيليين، واستوقفت الزيارة الكثير واستفزت العديد، مع صمت مطبق من الخارجية السعودية؛ وأخيراً (3) يقتحم خالد التويجري الشأن السياسي مع مصر بتغريدة تحمل في طياتها رسائل تبدو في ظاهرها عتاباً، لكنها توحي بتفجير موقف مع ذكر الوقفة السعودية “معكم”، وما المقصود بـ “معكم” في تغريدة التويجري: دولة مصر، أو تعني الجيش، أو تعني الثورة، أو تعني الرئيس عبدالفتاح السيسي؟ الأهم، ألا يرى التويجري أن في تغريدته تكراراً للموقف السعودي مع لبنان ومايوحي ذلك بشيء من المن والأذى في التذكير بالوقوف مع الأشقاء؟ أليس هذا الأسلوب هو واحد من الأساليب التي تساعد في كراهية السعودية؟ فهل نسمع شيء من الخارجية السعودية؟ فلا يستطيع أحد التكهن بمعنى وأهداف ومقاصد التغريدة، فالمعنى كما يقول المثل، في بطن (الشاعر) الشيخ التويجري.

 

يعرف خالد التويجري سوريا أكثر من غيره، قبل الأزمة وخلالها، فهو رئيس الديوان الملكي في عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي تربطه، رحمه الله، روابط عميقة وحميمية لسوريا منذ القديم. ويعرف التويجري، في ظننا، أن موضوع الأزمة في سوريا والثورة الشعبية المزعومة يدور حولها شكوك كثيرة وفيها خبايا وأسرار تدحض كل ما يسوّق رسمياً وإعلامياً في الولايات المتحدة أو بريطانيا أو تركيا أو دول الخليج. كما نجزم بأن خالد التويجري قد سبق له أن سمع وشاهد رولان دوما وزير خارجية فرنسا الأسبق وهو يؤكد أن اقتحام سوريا أمر معد له منذ العام 2009 أي قبل الربيع العربي بسنتين. ونجزم أن التويجري قرأ مقابلة الشيخ حمد بن جاسم وزير خارجية قطر الأسبق في صحيفة الفينانشال تايمز حول الولايات المتحدة والدور القطري في سوريا. وأخيراً يعرف الشيخ خالد أن الأزمة في سوريا ليست كما يصورها الإعلام، وأنها مؤامرة أمريكية بإمتياز ولذا غضبت واشنطن من القرار الروسي، فلماذا يقحم الشيخ خالد نفسه في خضم أزمة تدور حولها الشكوك؟

 

أخيراً، لا نظن أن الشيخ خالد التويجري نسي تلك الخصومة بين قطر ومصر، والتي بسببها سحبت ثلاث دول خليجية سفرائها من الدوحة. ولن ينسى التويجري أن قطر تحمل مشروعاً أخوانياً بإمتياز وستستمر في دعم الإسلام السياسي الذي يهدد مصر والسعودية على حد سواء. لكن تظل الحيرة في توقيت تغريدة التويجري، وفيما إذا كنّا سنشهد الشيخ خالد مجدداً، كما يجادل البعض، في العمل الرسمي الحكومي. لا شيء مستغرب في السياسة، فهي فن الممكن عند البعض، وفن المستحيل عند البعض الآخر. ليس من المتوقع أن توضح الخارجية السعودية رأيها حول ما حصل في مجلس الأمن، بل ستكتفي، على مانظن، بتصريح مندوب السعودية في الأمم المتحدة الرافض في العلن، وقد يكون الموافق ضمناً أو في الخفاء. فأي موقف رسمي ضد مصر حول موقفها في مجلس الأمن لا يستند على منطق دبلوماسي أو سياسي إذا ما أخذنا في الاعتبار البروتوكولات المتبعة في إجراءات جلسات مجلس الأمن. ختاماً، كم يتمنى كاتب هذه السطور لو يلتقي الشخ خالد التويجري ومعه “ذاكرة تخزين” Flash Memory, USP، لوضعها في مخ الشيخ خالد وسحب بيانات عشر سنوات 2006 – 2015 من ملفات وأسرار العالم، تخـيّـل. حفظ الله الوطن.

 

صحيفة بوابة مصر 11

أضيف بتاريخ :2016/10/11

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد