54 ألفا من السعوديين مكتئبون
علي الشريمي ..
الكثيرون في مجتمعنا يترددون قبل مراجعة الطبيب النفسي، ويفسرون كل الأعراض بالمس من الجن، أو الإصابة بالسحر أو العين
قبل أيام قلائل، وتحديدا يوم الإثنين الماضي، انتشر عبر موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" هاشتاق عنوانه:" #اليوم_العالمي_للصحة_النفسية"، عبر خلاله العديد من المغردين عن رأيهم في زيادة الوعي العام حول الصحة النفسية، وتشجيع المصابين بأمراض نفسية على التحدث عن أعراض المرض للمختصين، وغرد أحد المستخدمين قائلا: "لماذا الخجل من مراجعة العيادة النفسية؟ إنها عيادة مثلها مثل عيادة الأسنان والعظام. المرض النفسي لا يدل دائما على الجنون. افهموا".
في المملكة أظهرت آخر الإحصاءات التي كشفت عنها الإدارة النفسية والاجتماعية في وزارة الصحة السعودية، أن عدد المصابين بالاضطرابات العصبية والأمراض المرتبطة بالاكتئاب خلال العام الهجري 1436، بلغ 54 ألفا و622 مصابا، وتشمل هذه الأرقام المصابين الذين يراجعون الأقسام النفسية في مستشفيات الوزارة فقط، غير الذين يتحملون كلفة العلاج النفسي في العيادات الخاصة. السؤال: ما هي الاختلافات بين مشاكل الصحة النفسية في العالم الغربي والدول العربية؟
يشير المختصون في الطب النفسي إلى أن القلق والاكتئاب من أكثر الأمراض شيوعا على مستوى العالم، لكن الفارق بين الدول الغربية والعربية هي في طريقة تعاطيهم مع مشاكل الصحة النفسية، ففي الدول المتقدمة، هناك توصيف جيد للاضطرابات النفسية، من خلال درايتهم الدقيقة بالجانب الثقافي، فالمظاهر الخاصة بأي اضطراب تتنوع في الثقافة التي تظهر بها، وبالتالي يتم إدراك الأعراض وعوامل الخطورة والمضاعفات، استنادا إلى بيانات سنوية يتم تحديثها بشكل دوري من هذه الدولة، ولذا تجد من السهل التعرف على المرض النفسي وعلاجه. أما في الدول العربية، فإن هناك نقصا في هذه البيانات بشكل جوهري، إذ إننا لا نعرف ـ على وجه الدقةـ مدى انتشار هذه الاضطرابات الشائعة، مثل القلق والاكتئاب، ونحن لا نعلم كم عدد الأشخاص الذين حاولوا الانتحار، وما الأسباب التي دعتهم إلى ذلك. فمثلا هذه الإحصائية الأخيرة وهي 54 ألفا و622 مصابا بالاكتئاب في السعودية تعد إحصائية متأخرة جدا، فهي خاصة بـ1436، ونحن الآن في بداية 1438، أما عن التوصيف غير الدقيق للاضطرابات النفسية في عالمنا العربي فهو يعود بشكل مباشر إلى عدم الإلمام الثقافي بالمناهج الدراسية الطبية الخاصة، فالطبيب العربي الممارس غالبا ليست له دراية بهذه المشكلات.
ولهذا نجد الكثير من الدول الغربية تشترط طبيبا نفسيا لكل أسرة يتابعها بشكل دوري. أما نحن العرب فما زالت نظرتنا قاصرة، فنجد الكثيرين يترددون قبل مراجعة الطبيب النفسي، ويفسرون كل الأعراض بالمس من الجن، أو الإصابة بالسحر أو العين؛ والبديل هو مراجعة عيادات الدجالين أو المشعوذين. ومن اعتقاداتنا الخاطئة أيضا ربط المرض النفسي بضعف الإيمان بالله، وفي الأصل نجد أن الأمراض النفسية مثل غيرها من الأمراض قد تصيب المؤمن مهما بلغ صلاحه كما تصيب غيره. أمام هذه الإحصائية التي أعدتها وزارة الصحة نطالب بعمل مدونة حقوقية للصحة النفسية، يتم فيها وضع مواد قانونية تحفظ حقوق المرضى النفسيين في السلامة والحماية. فالمريض الذي لديه اكتئاب ويرغب في الانتحار مثلا ويرفض العلاج.. كيف يمكننا تحقيق التوازن بين حقه في رفض العلاج مع الحاجة إلى حماية المريض؟ متى يمكننا إجبار المريض على تلقِّي العلاج؛ لحمايته أو حماية الآخرين من تداعيات مرضه؟ هل يوجد في الشرطة مثلا أخصائي نفسي؟ أليست الشرطة الموجودة في موقع الحادث بحاجة إلى أن تكون لديها إرشادات قانونية للمساعدة في عملية اتخاذ القرار.
أخيرا، نتمنى الإسراع في عمل هذه المدونات، فمعظم الدول المتقدمة لديها تشريعات خاصة للتعامل مع هذه القضايا.
صحيفة الوطن أون لاين
أضيف بتاريخ :2016/10/13