بين المالية والمدنية والتخطيط
سطام المقرن ..
من عادة البيروقراطية الحكومية عند فشلها في تحقيق الأهداف المطلوبة منها أو عند تقديم خدمات حكومية سيئة، أن تعلق أسباب هذه الفشل إما على المواطنين أو على الموظفين الصغار لديها، والسبب يعود في ذلك في المقام الأول إلى غياب المساءلة العامة، الأمر الذي أدّى إلى شيوع المسؤولية بين الجهات الحكومية عموما.
فعلى سبيل المثال، عندما يصرّح وزير الخدمة المدنية ويقول إن أحد أسباب إلغاء البدلات والعلاوات السنوية يعود إلى أن هناك كثيرا من الموظفين لا يستحقون تلك البدلات، مثل بدل العدوى في المستشفيات الحكومية، والذي يحصل عليها في الغالب هم الإداريون وليس من هم في الميدان، وذلك نتيجة المحسوبية والمحاباة، فإن السؤال المطروح هنا: من هو المسؤول عن إصدار قرارات بدل العدوى؟ والإجابة هي: الإدارة العليا في مديريات الشؤون الصحية، ولكن من فوض تلك الإدارة بصلاحية اتخاذ هذه القرارات؟ لا شك أن وزير الصحة هو من فوض تلك الصلاحيات! وفي النهاية هو المسؤول الأول عن ذلك، فالمسؤولية لا تفوض.. فأين مساءلة الوزير والإدارة العليا عن مثل هذه الممارسات؟
بالإضافة إلى ذلك يقول وزير الخدمة المدنية متعجبا بخصوص قرار تخفيض الانتدابات إلى (30) يوما في السنة الواحدة، بأنه تأتي إلى الوزارة معاملات تخص انتدابات بعض الموظفين لأيام تكليف تتعدى (200) يوم في السنة، ولكن ما لم يقله معالي الوزير أن هذه القرارات موقعة ومعتمدة من وزراء الجهات الحكومية نفسها، وفي الغالب تتعلق بالسفريات والمؤتمرات والندوات، ناهيك عن ارتفاع تكاليف التذاكر والإقامة، والسؤال المطروح هنا: لماذا لم ترفض وزارة الخدمة المدنية قرارات تلك الانتدابات وتدقق فيها؟
أما فيما يتعلق بتصريح وزير الخدمة المدنية بالقول إن إنتاجية الموظف الحكومي لا تتعدى ساعة واحدة فقط في اليوم الواحد، فكما هو معلوم في البيروقراطية أن الرقابة تتمثل في الرقابة على الموظف، وليس على إنجاز وجودة العمل، وللأسف هذه هي النظرة السائدة لدى المسؤولين في كثير من الجهات الحكومية، والدليل على ذلك الخبر الذي نشر في الوسائل الإعلامية عن قيام الأمين في أمانة المدينة المنورة بإصدار قرار قيام الموظفين بالتوقيع على البصمة لأكثر من ثلاث مرات في اليوم، وليس هذا وحسب بل أصبحت الرقابة على حضور وانصراف الموظف العمل الرئيسي لهيئة الرقابة والتحقيق للأسف الشديد.
لعلي لا أبالغ إن قلت إن بعض المسؤولين في الإدارات العليا في الجهات الحكومية يقضون جل وقتهم في تسجيل ملاحظاتهم عن أولئك الموظفين الذين تخلفوا عن الدوام، ويطلبون أن يؤتى إليهم سجل البصمة الإلكترونية، وأن يأتي إليهم كل من يصل متأخرا من الموظفين حتى يكون الدوام أوشك على الانتهاء، فلا يجدون وقتا كافيا لمراجعة المعاملات ومتابعة الإنجاز وجودة العمل، وإذا كان هناك عمل فعلي يؤديه هؤلاء المسؤولون فهو لا يتعدى التصحيح اللغوي للخطابات أو التوقيع عليها فقط.
أما بخصوص تصريح نائب وزير الصناعة والتخطيط بأنه تم الاستثمار في مشاريع ليس لها عائد تنموي "ترف"، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف التشغيل والصيانة لها، فإن السؤال المطروح هنا: أليست هذه المشاريع تمت الموافقة عليها من قبل الوزارة عند إدراجها في خطط التنمية؟.. قد يقول قائل إن مثل هذه المشاريع تمت الموافقة عليها وإقرارها من المسؤولين السابقين للوزارة! ولكن ماذا عن إشكالية التخطيط التنموي في الجهات الحكومية والتي تكاد تكون شكلية وروتينية، فهي عبارة عن مجرد نماذج ترسلها الوزارة إلى الجهات الحكومية في نهاية كل خطة تنموية، لتعبئتها ومن ثم إرسالها مرة أخرى إليها، على أن تكون هناك خطط تشغيلية سنوية والتي لا تتعدى أن تكون مجرّد عبارات إنشائية.. فأين دور الوزارة في مدى تحقيق الأهداف التنموية والمساءلة عنها؟ وماذا عن تقدير المبالغ المالية لتلك الخطط والمشاريع والبرامج والحكومية؟ وماذا عن التنسيق بين الوزارة ووزارة المالية؟ هل ما زالت الوزارة تشتكي من ضعف التنسيق مع وزارة المالية وعدم إعطائها بعض المعلومات والبيانات المهمة؟
أما وزير المالية فلم يتطرق إلى ضعف الرقابة المالية المسبقة التي تعتبر من أهم اختصاصات ومهام الوزارة، والتي أصبحت مجرّد رقابة شكلية لا تستطيع منع المخالفات والتجاوزات وهدر المال العام، بالإضافة إلى إشكالية تقدير الاعتمادات والمخصصات المالية، في ظل غياب معايير وأسس محاسبية سليمة. فعملية تقدير بنود الميزانية والمخصصات المالية تتم من خلال المساومة بين الوزارة والجهات الحكومية، ناهيك عن المناقلات بين البنود عند تنفيذ الميزانية خلال السنة وبموافقة الوزارة على ذلك، وتعليمات الوزارة الأخيرة ربما ينطبق عليها القول بأنها أغلقت الصنبور وفي نفس الوقت تجاهلت التسرّب الحاصل في الأنابيب داخل الجدران!
وسأختم بمثل ما ذكرت في البداية: إذا كانت من عادة البيروقراطية الحكومية تعليق فشلها على الموظفين، فإنها أيضا تتهرّب من المسؤولية بإلقائها على الآخرين!
صحيفة الوطن أون لاين
أضيف بتاريخ :2016/10/25