ميشال عون رئيساً في لبنان
قاسم حسين ..
وأخيراً تم التوافق على انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للبنان، بعد عامين ونصف العام من الفراغ الرئاسي.
انتخاب عون جاء ضمن صفقة، بعضهم يراها خارجية، وبعضهم يراها داخلية بحتة، حتى قيل إنه «أول رئيس تمت صناعته في لبنان». وقد جرت عملية الانتخاب على الهواء، حيث تابع ملايين العرب عملية انتخاب رئيس عربي، بطريقةٍ سلمية، دون حاجةٍ إلى انقلاب أو ثورة شعبية غاضبة أو انفجار ربيع عربي.
النتيجة كانت محسومةً سلفاً لصالح عون، لكن الجلسة لم تخلُ من بعض المماحكات، حيث جرت ثلاث دورات للتصويت، بسبب زيادة الأوراق، وفي جولة الإعادة الثالثة ضبطت العملية، بعدما شابتها بعض الحركات الاستفزازية، التي وُصفت بالصبيانية، من قبيل التصويت لأسماء ممثلات، ما أثار حفيظة رئيس المجلس نبيه بري، باعتبار ذلك عمل مراهقين لا يليق ببرلمان، ولا بحجم المسئولية لنوابٍ دعم التمديد لهم أكثر من مرة.
لم تكن في انتخاب عون أية مفاجأة، وإنما كانت المفاجأة في خطاب نبيه بري، الذي ظلّ موقفه غامضاً حتى قبل ساعةٍ من انعقاد الجلسة، والذي استهله بإرسال التهاني الحارة لعون، بعد أيامٍ من التحفظ المشدّد، بل والتلويح بتحوّل حزبه (أمل) إلى المعارضة في حال انتخابه. والكلمة كانت لافتةً، حيث اعتبره «أحد أركان النظام»، وحين سرت همهمة بين الحضور قال بالعامية: «وهاي بِدْها كلام»؟. إلا أن البعض قرأها رداً مبطناً على مواقف عون السابقة في التشكيك بالبرلمان نفسه، ليقول له إن هذا المجلس الذي شكّكت في شرعيته، هو الذي جاء بك إلى منصب الرئاسة.
ما قام به بري كان إعادةً للحمة 8 آذار، ففي كلمة هذا السياسي المخضرم والمعروف ببلاغته، أكّد ضرورة دعم الجيش بالعتاد والسلاح، «للدفاع عن لبنان ضمن معادلة الجيش والشعب والمقاومة»، مع وقف استنزاف ثروة لبنان البشرية، حيث «لن يحلق إلا بجناحيه المغترب والمقيم»، مذكّراً بوجود 4 ملايين لبناني في الداخل، و14 مليوناً في المهاجر. كما أعاد طرح خطته، التي تنطلق من ضرورة التفاهم على قانون عصري للإنتخابات، و»العبور من الطائفية إلى الدولة». وختم مخاطباً عون: «عشتم فخامة الرئيس وعاش لبنان».
الرئيس الجديد، ألقى خطاب التنصيب، ليقطع الطريق على أية تكهنات أو توقعات أو تشكيكات، فقد كان واضحاً في القضايا الكبرى التي تهم كل لبناني: «لن نألو جهداً من أجل تحرير ما تبقى من أرضنا المحتلة»؛ و»أي حلٍّ في سورية لا يبدأ أو ينتهي إلا بعودة سريعة للنازحين»؛ و»يجب تثبيت حق العودة للفلسطينيين»؛ وأخيراً: «يجب محاربة الإرهاب بأسلوب استباقي ردعي».
في خطاب عون، تكرّرت كلمات ذات دلالة عالية، مثل «التوافق» و»التعددية»، لتعطي صبغةً أوليةً للعهد الجديد. وقد التقى مع موقف بري، الركن الآخر في هذا التحالف، بقوله: «أولويتي تقوية الجيش ليكون قادراً على مواجهة أية تحديات». مثل هذا الالتقاء في الاستراتيجية، بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب، تردّد صداه في الإعلام الإسرائيلي، حيث اعتبرت صحيفة «يديعوت احرونوت» على سبيل المثال، أن انتخابه «قد يصبح وجعاً غير بسيط للرأس بالنسبة لإسرائيل»!
الحدث لم يخلُ من مفارقات تاريخية كبيرة، فالرجل الذي حارب سورية فطرده جيشها الذي طالب بخروجه من لبنان، يعود إلى قصر الرئاسة نفسه بعد 25 عاماً، ويكون أول المهنئين له الرئيس السوري بشار الأسد. والجنرال الذي خرج مطروداً للمنفى لتحل محل حكومته العسكرية حكومةٌ مدنيةٌ، لينشأ نظام جديد يكون أحد أعمدته بري، يعود اليوم رئيساً مدنياً للبنان على رأس «تيار وطني حر»، باركه حليفه الشيعي الآخر، الذي اعترف له بالفضل والوفاء، على أمل أن يشهد لبنان تدشين سياسة تلعب فيها الأخلاق دوراً في تحديد العلاقة بين السياسيين، وهم أكثر الناس شهرةً بالبعد عن الأخلاق.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2016/11/03