الوثائق الحقوقية: التغريب والمؤامرة
علي الشريمي ..
كيف يمكن القبول بغربية الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وقد صدر في 1948 وأميركا كانت حينها تنخرها العنصرية من ألفها إلى يائها
ما إن نتحدث عن مشروعية الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كوثيقة سياسية حتى يقفز عليك صنفان من الناس: الأول يتهمك بالتآمر على الإسلام والمسلمين، بينما ينعتك الثاني بـ"التغريب". مقولات التآمر والتغريب أصبحت بمثابة الطبق اليومي الأكثر تداولا وقبولا لدى الكثيرين في عالمنا العربي والإسلامي، السؤال: لماذا يميل الرأي العام العربي والإسلامي وبعض النخب الثقافية إلى التصديق بأن الصكوك الدولية لحقوق الإنسان التي تربو على الـ200 وثيقة والتي استندت على الإعلان كـ"سيداو" مثلا، وراءها مؤامرة أميركية أو صهيونية "الموساد"، هدفها تغريب المسلمين وطمس هويتهم؟ أسأل هذا السؤال ونحن نعيش بعد غد السبت الذكرى الـ68 لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وربما ما زال منذ صدوره في باريس في منتصف ليلة العاشر من ديسمبر 1948، جاء كرد فعل على قسوة جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية التي كانت عناوين للحرب الثانية.
السؤال بطريقة أخرى كيف يمكن القبول بغربية الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وقد صدر في 1948 وأميركا كانت حينها تنخرها العنصرية من ألفها إلى يائها، بل وكانت مقننة في محاكمها حتى الثمانينات، ففي ولاية فرجينيا كانت المحكمة لا تجيز زواج البيض والسود، والدول العظمى الأخرى مثل بريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفيتي كانت آنذاك تستعمر نصف العالم، وتستنكف المبادئ التي جاء بها "الإعلان"، حتى إن السيدة الأميركية "إليانور روزفلت"، رئيسة لجنة حقوق الإنسان، التي كان لها دور فاعل جدا في صياغة "الإعلان" تمت معاقبتها وطردها بالقوة من قبل الإدارة الأميركية، والدليل الآخر والمهم أن الإعلان ظل مطمورا ومعطلا 40 عاما حتى انتهاء الحرب الباردة، وكان لدى الأمم المتحدة حينها جهاز حقوق الإنسان يضم 5 موظفين فقط ويقتصر عملهم على توزيع المطبوعات، والسبب يعود إلى أن مواقف الدول العظمى كانت معادية ومعيقة للمنظومة الحقوقية الدولية، حتى إن أميركا لم تصادق على الكثير من الاتفاقيات الدولية، وحتى يومنا هذا، كحقوق الطفل، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، حتى جاء المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان في فيينا في يونيو 1993، تم حينذاك إحياء "الإعلان" من جديد حين اجتمعت دول العالم وعددها 192 دولة ومنظماته الدولية ومجتمعه المدني للتأكيد مجددا على قيمته وشموليته كمنهج لإدارة الدول.
أما إسرائيل فكانت من الدول التي تحارب حقوق الإنسان منذ صدور الإعلان وإلى وقت قريب، ففي 2006 أي قبل 10 سنوات، حصل تطور مفصلي في جهاز حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في تحوله من "لجنة" إلى "مجلس"، بحيث إن كل دول العالم تعرض تقاريرها الحقوقية في المجلس فيما يسمى بالاستعراض الدوري الشامل، وإسرائيل كانت رافضة بقوة عرض تقاريرها حتى تعرضت إلى ضغط دولي واستسلمت بعدها. وكذلك الأمر المهم هو أن التحضير لـ"الإعلان" مر بسبع مراحل في ثلاث سنوات، تعرض فيها للنقد والتعديل مرات عديدة، وهذه التعديلات التي أدخلت على نص "الإعلان" تنفي الفكرة التي تقول إن إقراره كان مؤامرة ومكيدة لفرض الفكر الغربي على الثقافات الأخرى، ونشير هنا كذلك إلى مشاركة الـدول العربية في نقاشات صياغة مسودة الإعلان مثل السعودية، وسورية، والعراق، ولبنان، ومصر، واليمن، ولا ننسى أن نذكر بأن مقرر اللجنة التي صاغت "الإعلان" هو اللبناني "شارل مالك" ونائبه "شانغ" من الصين.
بعد هذا العرض كيف لنا أن نتحدث عن غربية حقوق الإنسان، وعن مقولات واهية وهزيلة كمقولتي المؤامرة والتغريب؟ بل ويمكنني القول إننا بهذه الأحاديث نصبح ضحية لأنفسنا حينما نعطي الغرب فضلا، لا فضل لهم فيه، حتى وإن تطوروا حقوقيا في داخل دولهم.
صحيفة الوطن أون لاين
أضيف بتاريخ :2016/12/08