هل من سبيل لمواجهة عالمية حقيقية للإرهاب؟!
د. يوسف مكي ..
أسبوع حافل، مميز في قسوة أحداثه ووحشيتها، شمل بلدانا عربية وإسلامية ودولا أوروبية، وكان المشهد الأقسى والأفظع فيه تفخيخ أطفال، وإرسالهم لمحرقة الموت، في مشاهد لا يغني وصفها بالسيريالية والعبثية. حوادث إرهاب بالأردن ومصر والعراق وتركيا وألمانيا، وإرسال أطفال بأحزمة ناسفة، بحق الميدان في سوريا، ومصرع لرجال أمن بالكرك الأردنية، ومصرع للسفير الروسي في تركيا، وسط حشد من الجمهور. وكل ما حدث هذا الأسبوع، هو حلقة قصيرة في مسلسل رعب طويل، امتد أكثر من ثلاثة عقود، وشمل معظم أرجاء الكرة الأرضية. ومواجهة هذه الظاهرة، وطي صفحتها للأبد، لا تزال بعيدة المنال.
لقد سقطت كل الذرائع، وكشفت الأقنعة، ولم يعد منطقيا نسبة التخريب إلى دين سماوي أو طائفة أو عقيدة سياسية، بل إلى شيء آخر، خارج منظومة القيم الأخلاقية والإنسانية، بما يتطلب عقدا دوليا حقيقيا، يعتبر كل من يدعم الإرهاب، بالمال والسلاح والكلمة مجرم حرب، وعدوا للإنسانية.
لقد تجاوز القتلة كل الخطوط الحمر، وباتوا فئة باغية، تدفع بالابن إلى قتل أمه وأبيه وأشقائه، ولم تعد تستثني من جرائمها صديقا أو بعيدا. وسلوكهم أقرب إلى الهستيريا الجماعية، حيث يتم غسل الأدمغة، وتجويفها، وتوجيهها جميعا نحو اتجاه واحد، هو القتل والتدمير، ونشر الفوضى والخراب في أرجاء المعمورة. إنها ثقافة الموت تحارب الحق في الحياة والخير والجمال.
تعد هذه الأحداث مجتمعة دليلا صارخا على عجز المجتمع الدولي عن إيجاد حلول عملية وناجحة، لاقتلاع هذه الظاهرة من جذورها، رغم الدماء الغزيرة التي سالت في معظم بلدان العالم، بسبب تغول هذه الظاهرة واستفحالها.
ففي كل حدث إرهابي، هناك شهداء وضحايا ومصابون، ودمار وخراب. وقد تحول الإرهاب، منذ مطالع هذا القرن، إلى ما هو أقرب إلى حرب عالمية، لا تستثني من أجندتها أية زاوية من زوايا الكرة الأرضية، ولا تستثني أحدا من مخططاتها، بما يفرض جديا على المجتمع الدولي عدم الاكتفاء بالمؤازرة اللفظية، واستنكار الحدث، بل الانتقال إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير.
فما هو مطلوب في هذه المواجهة يجب أن يتخطى لغة أضعف الإيمان، ذلك لأن أمن البشرية بأسرها مهدد بالخطر، كلما استفحلت هذه الظاهرة. فهي تضرب الجميع بشراسة وبطريقة تبدو عبثية في أدائها وأهدافها، لكن نتائجها تدمير أوطان وتذويب هويات. وهي من غير شك، تهدر جهود المجتمعات، وتدمر اقتصاداتها، وتعيق نموها وتطورها، وتحجب عنها الاستقرار والأمن والسلام. وتحصد في طريقها الأبرياء من المدنيين نساء وأطفالا.
وما دام الجميع بات مستهدفا في جرائم الإرهاب، فإن المنطقي أن تكون الخطوة الأولى مراجعة الاستراتيجيات والخطط التي أعلنت إثر حوادث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، بالولايات المتحدة الأمريكية، حين قام تنظيم القاعدة بتفجير برجي مقر المركز العالمي للتجارة، ومبنى البنتاجون بالعاصمة الأمريكية، واشنطن.
فإثر أحداث سبتمبر 2001م، أعلنت إدارة الرئيس جورج بوش الابن حربا عالمية على الإرهاب، كان ينبغي أن تتوجه مباشرة إلى الجماعات الإرهابية في معاقلها. وكانت تلك المعاقل حينئذ محدودة جدا ومعروفة. لكن الخيار في تلك الحرب وقع على أفغانستان والعراق، حيث جرى احتلالهما من قبل أمريكا. وقد خلق الاحتلال حالة الفوضى وانعدام الأمن في أفغانستان وأرض السواد، بؤرا جديدة مناسبة، للمجموعات الإرهابية، مكنتها من إيجاد قواعد ثابتة لها في البلدين المحتلين. كما وجدت في الانفلات الأمني باليمن، وانهياره الاقتصادي فرصا سانحة لكي تبني لها قواعد ثابتة، في بعض الأطراف والأماكن الأكثر فقرا وتخلفا. وكانت القارة السوداء والظروف الاقتصادية الصعبة فيها هي الأخرى محط أنظار فرق الموت.
وإثر اندلاع ما عرف بالربيع العربي، في أواخر عام 2010، بات واضحا، أن سوريا وليبيا، وتحول المواجهات فيهما إلى ما هو أقرب إلى الحرب العالمية الأهلية، تحول البلدان، إلى موئل جديد للجماعات الإرهابية، وإلى سبب في تمكين هذه الجماعات من التمدد وتطوير خططها، وتوسيع دائرة عمقها الاستراتيجي.
بات بإمكان هذه الجماعات الانتقال من موقع لموقع، تبعا لمقتضيات الظروف والضربات التي تتعرض لها. فوجود قواعد ومراكز ثابتة لهذه المجموعات في أكثر من عشرة بلدان، على رأسها العراق وسوريا واليمن والصومال وليبيا ومالي وتونس ولبنان، وارتباط بعض هذه البلدان ببعضها جغرافيا، كما في حالة سوريا والعراق ولبنان، مكن الجماعات الإرهابية من المناورة وتغيير مواقعها بسهولة، والهروب، واستخدام تكتيكات تمكنها من تفادي الضربات الجوية التي توجه لها من قبل قوات التحالف الدولي.
أما الإدارة الأمريكية، التي تعهدت بشن حرب عالمية على الإرهاب، فإنها بدلا من المواجهة المباشرة معه، في أماكن تواجده وانتشاره، بقيت تتفرج على داعش، وهي تحتل أربع محافظات عراقية، في ديالى والأنبار وصلاح الدين ونينوى، من غير أن تحرك ساكنا، رغم أن العراق يرتبط بمعاهدة أمنية، تجعل أمريكا مسؤولة عن أمنه واستقراره. وحين قررت المواجهة مع هذا التنظيم كان على الشعب بالبلدين، وبخاصة المدنيون أن يدفعوا أكلافا باهظة من أرواحهم وممتلكاتهم.
ولم يكن العراق إلا صورة كاريكاتورية، عما يجري من جرائم إرهابية في ليبيا وسوريا واليمن والصومال، والقائمة طويلة...
لا بد من مواجهة دولية شاملة فكرية وعسكرية، تضيق الخناق على مجموعات التطرف، حيثما وجدت، والتصدي لأسباب الفوضى، وانعدام الأمن وبشكل خاص في البؤر المتوترة، التي غالبا ما تكون أماكن أثيرة لتمركزها. ولعل هذه الخطوة العملية هي السبيل لملاحقة الإرهاب وكبح جماحه.
جريدة اليوم
أضيف بتاريخ :2016/12/23