سوريا: الأسد بين الدب والحمار
طراد بن سعيد العمري
نجح الرئيس السوري بشار الأسد في إقناع العالم برؤيته التي حاجج بها على مدى أربع سنوات خلت بأن الإرهاب والمنظمات والجماعات الإرهابية ومن يقف وراءها كانوا خلف الفوضى الغير خلاقة التي اجتاحت سوريا. ولذا انصاعت أمريكا وحلفائها في أوروبا والشرق الأوسط إلى روسيا وإيران وحلفائهم في أهمية بقاء الرئيس بشار الأسد، والتكاتف جميعاً لمحاربة الإرهاب الذي لا يقتصر خطره على سوريا وما حولها بل يمتد إلى دول العالم المؤثر من دون استثناء.
خرج المؤتمرون في ڤينا ٢ بتوصيات واضحة ومحددة في الزمان والمكان: (١) وقف لإطلاق النار في سوريا بين الجيش العربي السوري وحلفاؤه وفصائل المعارضة وتوجيه الجهد نحو المنظمات الإرهابية التي سيقوم الأردن بحصرها وتقديمها للتحالفات ضد الإرهاب. (٢) تشكي حكومة انتقالية خلال ٦ أشهر تبدأ من ١ يناير ٢٠١٦م من شخصيات مختارة ومنتقاة من المعارضة السورية في الداخل والخارج ومن الحكومة السورية. (٣) صياغة دستور جديد للبلاد خلال ١٨ شهراً. (٤) إجراء انتخابات برلمانية حسب الدستور الجديد لاختيار ممثلي الشعب. (٥) إجراء انتخابات رئاسية حسب الدستور الجديد. (٦) الشعب السوري وحده من يقرر شكل وطريقة وأسلوب الممارسة السياسية في البرلمان والرئيس.
النقاط الست الآنفة الذكر، هي ما جادل به الرئيس السوري منذ انطلاق الانتفاضة والفوضى، بعد أن استجاب النظام السوري لمطالب المحتجين في بدايتها بعدد من التغيرات الجوهرية. الإدارة الأمريكية ومن تحالف معها في أوروبا وتركيا وبعض دول الخليج رفعت سقف المطالَب أسوة بما حدث في دول أخرى ضربها إعصار “الربيع العربي”. لكن صمود وتكاتف وثبات المكونات السورية: الرئيس؛ النظام؛ الحكومة؛ البرلمان؛ الجيش؛ الشعب، جعل من الحالة السورية أمراً مختلفاً، من ناحية، ومختلقاً، من ناحية أخرى.
الأطروحة الأمريكية في أهمية رحيل الرئيس الشرعي السوري بشار الأسد، والتي يردد صداها بعض الدول الإقليمية هي أطروحة تتعارض مع مبادئ القانون الدولي، من ناحية، كما أثبتت فشلها في العراق وليبيا واليمن ولم تخلف سوى الحروب الأهلية والدمار لتلك الدول وشعوبها، من ناحية أخرى. ولذا، إقتنع المشاركون في ڤينا أن بقاء الرئيس بشار الأسد هو جزء من الحل، إن لم يكن الحل كله. كما أن رحيله من عدمه مرهون وموقوف على الشعب السوري وحده وهذا يتفق مع الحل السياسي، والقانون والأعراف الدولية، كما يتفق مع دعاوى الدول التي تدّعي صداقتها للشعب السوري.
انتشار هجمات داعش في معظم الدول الإقليمية، والتسارع الأخير في تفجير الطائرة الروسية فوق سيناء مصر، والتفجير المزدوج في الضاحية الجنوبية ببيروت، والهجمات المتزامنة في باريس وضواحيها، كل ذلك ألقى بظلاله على أجواء ڤينا ٢ وقمة مجموعة العشرين في أنطاليا، بأن الإرهاب الداعشي الذي بدأ في العراق وسوريا له علاقة عضوية بكافة المجموعات المتطرفة والتكفيرية وخلايا نائمة في مختلف دول العالم. ولذا فإن المطالبات بخروج القوات الأجنبية التي تقاتل إلى جانب الجيش العربي السوري هي مطالبات يائسة، بل المطلوب تكثيف التواجد الأجنبي وتوحيد الصفوف مع النظام السوري لاستئصال آفة الإرهابيين.
إسرائيل وقطر والولايات المتحدة هي الدول الثلاث الوحيدة تقريباً التي لم يمسها لظى هجمات داعش بعد، أما بقية الدول الموالية والمعادية للنظام السوري فقد نالت نصيبها من نار الإرهاب. السعودية والعراق ومصر وتركيا ولبنان واليمن وليبيا وتونس وفرنسا وغيرها تلقت هجمات إرهابية أعلنت داعش مسئوليتها عنها، ولذا فإن ما حذّر منه الرئيس بشار الأسد في مقابلات تلفزيونية متعددة قبل سنوات بأن الإرهاب الذي ضرب سوريا سيرتد على العالم أجمع إذا لم يوقف دعم المجموعات الإرهابية والتكفيرية والوقوف إلى جانب سوريا بكل مكوناتها التي لا تنفصل: الشعب والحكومة والجيش والنظام والمؤسسات والرئيس.
الصورة القاتمة السوداء التي حاول الإعلام الصهيوني الغربي، وتبعه الإعلام العربي بغباء لتصوير رئيس وجيش ونظام يقتل شعبه لم تعد قائمة الآن ولم تعد تلك الصورة تنطلي على العالم بعد الأحداث الإرهابية الدامية التي ضربت عاصمة الثقافة والنور وأصابت أوروبا بالذهول. خلية إرهابية واحدة مكونة من (٥-٧) أفراد بإمكانها التسبب في قتل وتهجير وتشريد حي بأكمله بل مجموعة أحياء. القتل والدماء ومنظر الأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة تصيب المدنيين بالذعر والخوف وتضطرهم للنزوح نحو الأمان، كما تضطر الحكومة وأجهزتها الأمنية إلى خيارات صعبة وغير مستحبة للتخلص من الإرهابيين وإعادة الأمن والنظام والانضباط.
لقد باتت أشهر قناتين إخباريتين عربيتين عديمة المصداقية، بعد أن ظنت الشعوب العربية أنه أصبح لديها قنوات فضائية محترفة ومحايدة وموضوعية يمكن الركون إليها في نقل الخبر الغير مضلل وتوعية المتلقي العربي عبر حوارات غير مؤدلجة ولا تستند إلى رؤى الحكومات الرسمي، بل أن بعض المراقبين يرون أن تلك القنوات تدار عبر أجهزة الإستخبارات والسلطات الأمنية. يقوم المشاهد العربي وبلمسة “للريموت كونترول” بالتحول إلى قنوات عالمية، وعندها يكتشف عدم مصداقية القنوات العربية. المضحك، أن تلك القنوات العربية تستضيف محللين ينقلون وجهة النظر الرسمية بصياغات وحجج واهية لا تستقيم مع المنطق التحليلي، وتستعيض عن ذلك بالتكرار لترسيخ التضليل.
أخيراً، التدخل الروسي في سوريا فضح كثير من الدعاوى التي حاولت الإدارة الأمريكية وحلفاؤها تسويقها عبر سنوات. كما أن تسلم روسيا الملف السوري أنجز بشكل لافت ونقل الحالة السورية إلى نهايتها. وسيكشف المستقبل كثير من التضليل والمؤامرات الأمريكية التي سقط كثير من دول الشرق الأوسط في أفخاخها. ختاماً، الرئيس السوري بشار الأسد هو رمز الدولة السورية بكل مكوناتها والمطالبة برحيله هو رغبة دفينة لتفتيت سوريا.
صحيفة أنحاء
أضيف بتاريخ :2015/11/19