آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. يوسف مكي
عن الكاتب :
دكتوراه في السياسة المقارنة - جامعة دينفر كولورادو. - رئيس تحرير صحيفة الحقيقة الأسبوعية، ورئيس التجديد العربي ومشارك في مجلة المستقبل العربي أستاذ محكم بمركز دراسات الوحدة العربية. - عضو في العديد من اللجان والمؤتمرات. - صدر له مؤلفات منها ولا يزال البعض تحت الطبع.

ماذا يحمل لنا العام الجديد؟

 

يوسف مكي ..

الحياة قانونها التراكم، والتحولات التاريخية، وإن اتخذ مشهدها شكل الصدمة والطابع الدرامي، فإنها ليست معزولة عن تلك التراكمات. وقد جرت العادة أن ينبري المحللون السياسيون، عند نهاية أي عام، أو في مطلع العام الجديد، بتقديم قراءات استشرافية عما يحمله العام الجديد من آمال وتطلعات، ولسان حالهم يردد: ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل!

 

في مطلع هذا العام يبدو العالم مشدوداً للعملية الانتقالية في سدة الرئاسة الأميركية. فهناك رئيس منتخب جديد سيؤدي اليمين الدستورية رئيساً في العشرين من هذا الشهر. وعلى رغم أن هذا الرئيس هو مرشح الحزب الجمهوري، لكن حملته الانتخابية اتسمت بلغة مغايرة لأقرانه من الحزبين الجمهوري والديمقراطي. فقد استنكر صراحة الاحتلال الأميركي للعراق، واستخدم في حواراته لغة تصالحية مع روسيا بوتين. لكنه من جهة، أخرى يعلن رفضه الاتفاق النووي الذي وقعته بلاده مع إيران. ومن جهة أخرى أيضاً، يعلن رفضه الحروب التي شنتها بلاده لإسقاط نظم سياسية، وأن هدفه سيتركز في الحرب على الإرهاب.

 

لكن الجمهور العربي بشكل خاص اعتاد على عدة لغات للرؤساء الأميركيين؛ لغة قبل الوصول إلى سدة الرئاسة، ولغة أخرى بعد قسم اليمين، ولغة ثالثة في الشهور الأخيرة من إدارتهم.

 

يمكن القول بقليل من التردد، إن عامنا الذي يوشك على الرحيل، كان عاماً صعباً على الجميع. فبالإضافة إلى اتساع دائرة الفروق بين الغنى والفقر، واتساع مظاهر الجوع والأمية والأمراض، في عدد كبير من بلدان العالم الثالث، شهد العالم تغولاً مريعاً لجرائم التطرف، التي حصدت آلاف الأرواح، في مناطق واسعة من كوكبنا الأرضي. ترى ما الذي ستكون عليه لغة الرئيس بعد أدائه اليمين وتسلمه سدة الرئاسة؟

 

إذا كان علينا أن نستشرف من الآن سياسة الرئيس القادم، فليس لنا فعل ذلك اعتماداً على تصريحاته أثناء حملته الانتخابية، بل لا بد من فحص أسماء قائمة الأشخاص المرشحين لتولي الوزارات السيادية في حكومته، ومواقع الأمن والاستخبارات والجيش، وكلها تشير إلى أن الرئيس القادم دونالد ترامب تعمد اختيارهم من بين الصقور. وبعضهم كان لهم مواقف متشددة، ومساندة للعدوان على العراق، ويقفون من دون تردد إلى جانب السياسات الاستيطانية للكيان الصهيوني الغاصب.

 

وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن أميركا هي دولة مؤسسات، وأن أي رئيس أميركي ليس بمقدوره تجاوز قوى المصالح وجماعات الضغط، والقوى الفاعلة في هياكل الدولة، أمكن لنا القول إن سلوك الرئيس الجديد لن يكون استثناء بالمطلق عن سلوك نظرائه من الجمهوريين الذين تسلموا سدة المنصب الرئاسي سابقاً.

 

وإذا انتقلنا في قراءتنا الاستشرافية إلى الصعيد الإقليمي، فإن الأيام الأخيرة من شهر ديسمبر/ كانون الأول 2016، شهدت الدعوة لانعقاد مؤتمر استانا في العاصمة الكازاخستانية.

 

وإذا وضعنا هذا المؤتمر في سياق موضوعي، من حيث ربطه بالتحولات السياسية الإقليمية، وباجتماع وزراء روسيا وتركيا وإيران، والتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، بضمانة روسية-تركية، أمكننا القول بتحول سياسي ملحوظ، لصالح التوصل إلى حل سلمي للأزمة السورية، بما يؤمن مصالح غالبية القوى الإقليمية، المنخرطة في الأزمة.

 

من جانب آخر، يضيِّق الجيش العراقي، ومعه الميليشيات المساندة له، الخناق على وجود «داعش» في محافظة الموصل، وربما يشهد الربع الأول من هذا العام عملية طرد «داعش» من هذه المحافظة، لكن الأزمات المستعصية للعراق ستتواصل، لأن حلها رهن بتحول في الفكر والممارسة للقيادة الحاكمة. ولن تنتهي أزمة العراق إلا بمصالحة وطنية حقيقية، تنتفي فيها لغة الكراهية والأحقاد، ولا يستثنى منها أي مكون من المكونات السياسية الوطنية العراقية. مصالحة كهذه ينبغي أن تعيد العراق إلى هويته العربية، التي استمد منها حضوره التاريخي.

 

من جانب آخر، يواجه العالم تحدي الإرهاب. وكان العام الماضي قد ختم أيامه الأخيرة بأسبوع مميز في قسوة أحداثه ووحشيتها، شمل بلداناً عربية وإسلامية وأوروبية، وكان المشهد الأقسى والأفظع في المشهد العبثي السريالي، هو تفخيخ الأطفال، وإرسالهم لمحرقة الموت، في مشاهد يصعب وصفها. حوادث إرهاب بالأردن ومصر والعراق وتركيا وألمانيا، وإرسال أطفال بأحزمة ناسفة بحي الميدان في سورية، ومصرع لرجال أمن بالكرك الأردنية، واغتيال السفير الروسي في تركيا، وهو يلقي خطابه وسط حشد من الجمهور.

 

ولم يكن ما حدث في الأيام الأخيرة سوى تصوير كاريكاتوري، واقعي، لحوادث ممتدة لأكثر من 3 عقود، شملت جميع القارات. وفي كل حدث هناك شهداء وضحايا ومصابون، ودمار وخراب. وقد تحول الإرهاب، في السنوات الأخيرة إلى حرب عالمية لا تستثني من أجندتها ومخططاتها أحداً، بما يفرض على المجتمع الدولي عدم الاكتفاء بالمؤازرة اللفظية واستنكار الحدث، بل الانتقال إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير. لا بد أن تكون مواجهة الإرهاب مواجهة دولية شاملة، تضيق الخناق على مجموعات التطرف، حيثما وجدت، والتصدي لأسباب الفوضى، وانعدام الأمن وبشكل خاص في البؤر المتوترة، التي غالباً ما تكون أماكن أثيرة لتمركزها. ولعل هذه الخطوة العملية هي السبيل لملاحقة الإرهاب وكبح جماحه. فهل سيكون العام الجديد عام عودة الوعي بأهمية دحر التطرف وعودة الأمن والسلام؟

 

صحيفة الوسط البحرينية

أضيف بتاريخ :2017/01/06