وزارة العمل بين السعودة والبطالة
سطام المقرن ..
إستراتيجية التوظيف السعودية أكدت على ضرورة وجود جهة متفرغة لأداء المتابعة والتقويم لنجاح تنفيذ الإستراتيجية، وأكدت على أن عدم قياس أداء السياسات من أهم أسباب فشل تلك السياسات
أثار أحد الرسوم الكاريكاتورية موجة غضب في مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت، والذي يصور العمال الوافدين كالجرذان التي تقطع الطريق أمام الشباب السعودي في القطاع الخاص، وقد دافع رسام الكاريكاتير عن فكرته بالقول "أنا لم أقصد جميع الإخوة المقيمين، بل من يتكتلون في القطاع الخاص ويتسببون في مضايقة السعوديين بقطع أرزاقهم بطرق غير نظامية، كذلك الذين يمارسون أنواع الغش التجاري".
ربما خان التعبير رسام الكاريكاتير في طرح فكرته المسيئة، ولكن يمكن القول بأن هناك ردة فعل سلبية في الحقيقة تجاه العمالة الوافدة من بعض المواطنين، الأمر الذي أدّى إلى وجود ردة فعل معاكسة من قبل البعض واتهام الشباب السعودي بالكسل وعدم الكفاءة وضعف الإنتاجية، ويعود السبب في ذلك إلى إخفاق وزارة العمل في تطبيق إستراتيجية التوظيف السعودية، والتي ربما أصبحت مجرد حبر على ورق، الأمر الذي أدى إلى وجود اختلالات في سوق العمل وصدور قرارات غير مدروسة ساهمت في وجود منافسة غير شريفة مع تبادل الاتهامات بين الطرفين.
في عام 1430 أي قبل ثمان سنوات تقريباً صدر قرار مجلس الوزراء رقم 260 بالموافقة على إستراتيجية التوظيف السعودية، لتكون إطاراً مرجعياً لمعالجة قضايا القوى العاملة والتوظيف في المملكة، وترمي هذه الإستراتيجية إلى تحقيق عدد من الأهداف العامة والمرحلية من خلال مجموعة من السياسات والغايات والآليات التنفيذية، ومنها: القضاء على البطالة، والمحافظة المستمرة على مستوى التوظيف الكامل للقوى العاملة الوطنية، ورفع معدل مشاركة العمالة الوطنية في قوة العمل، بالإضافة إلى جعل العامل الوطني الخيار الأفضل والمتميز قدرة وكفاءة وأداء.
وعلى هذا الأساس تهدف إستراتيجية التوظيف السعودية في المدى القصير (سنتين) إلى كبح جماح البطالة وعدم السماح لها بالارتفاع، وتثبيتها عند مستويات معينة، من خلال توظيف أعداد من المواطنين الراغبين في العمل لا تقل عن أعداد الداخلين إلى السوق، وقد تضمنت الإستراتيجية في المدى القصير 10 سياسات وغايات ومؤشرات للأداء، ومن أمثلة ذلك ما يلي:
السياسة 1-1: توظيف أعداد من المواطنين والمواطنات الراغبين في العمل تساوي أعداد الداخلين لسوق العمل، والغاية هي: عرض الوظائف الشاغرة على المواطنين ابتداءً، فتكون مؤشرات الأداء كالتالي: عدد الداخلين لسوق العمل شهرياً، نمو قوة العمل ربع سنوي، المشتغلون شهرياً، معدل البطالة مصنفة حسب المهنة والعمر والمنطقة ربع سنوي.
وبناءً على ما سبق فإن كل سياسة تتضمن عددا من مؤشرات الأداء، ولكن للأسف الشديد عند متابعة بعض تقارير وزارة العمل المنشورة على الإنترنت، وكذلك خطط التنمية فيما يتعلق بتنفيذ إستراتيجية التوظيف السعودية، تبين أنها لا تتضمن هذه المؤشرات، ولم يتبين إعداد هذه المؤشرات من قبل وزارة العمل، وبالتالي لا يمكن معرفة تحليل أن السياسات التي تضمنتها الإستراتيجية تتجه إلى تحقيق الغايات بنجاح، ولا يمكن تقييم مدى مساهمتها في تحقيق الأهداف المرحلية في المدى القصير (سنتين).
وليس هذا وحسب، بل لا توجد تقارير متابعة دورية للإستراتيجية والتي تشكل أحد أهم سمات منهجية التقويم والمتابعة، وقد ذكرت الوزارة في أحد تقاريرها السنوية، أن من المعوقات التي تواجهها في هذا المجال هو عدم قيام الإحصاءات والمعلومات بإجراء بحث القوى العاملة لفترة ما بعد إقرار الإستراتيجية، بالإضافة إلى عدم وجود جهة متخصصة ومتفرغة مسؤولة عن أداء هذا التقويم والمتابعة، والجدير بالذكر أن إستراتيجية التوظيف السعودية أكدت على ضرورة وجود جهة متفرغة لأداء المتابعة والتقويم لنجاح تنفيذ الإستراتيجية، وأكدت على أن عدم قياس أداء السياسات ومدى فاعليتها من أهم أسباب فشل تلك السياسات، لذا فأهمية وجود تلك الجهة المسؤولة يأتي من أهمية سياسات سوق العمل وإستراتيجية التوظيف.
والأدهى والأمر مما سبق، أن الإستراتيجية الوطنية للتوظيف تضمنت في المدى القصير (سنتين) كبح جماح البطالة وعدم السماح لها بالارتفاع، وتثبيتها عند مستويات معينة كما ذكر آنفاً، وكانت نسبة البطالة عند إقرار الإستراتيجية 10.5 %، وللأسف كان هناك نمو مطرد لمعدل البطالة في السوق السعودية، وارتفاعها إلى نسب تصل إلى أكثر من (%2) عن عام إقرار الإستراتيجية، وكذلك ارتفاعها بنسبة ( %18) عند احتساب عدد المستحقين في برنامج (حافز)، وبالتالي فإنه لم يتم تحقيق أهداف الوزارة في المدى القصير في السيطرة على البطالة والسماح لها بالارتفاع!
لقد نصت الفقرة (ثالثاً) من قرار مجلس الوزراء 260 سالف الذكر على "قيام وزارة العمل برفع تقرير شامل إلى مجلس الوزراء خلال السنة الثالثة من تاريخ نفاذ هذه الإستراتيجية متضمناً نتائج تطبيقها، والصعوبات التي تواجهها في ذلك والمقترحات التي تراها لمعالجتها"، وبالطبع فإن مثل هذه التقارير تعتبر بمثابة (مساءلة) للوزارة بهدف التأكد من تحقيق أهداف قصيرة المدى للإستراتيجية ومعرفة مسار تنفيذها، والسؤال المطروح هنا: هل ترفع وزارة العمل مثل هذه التقارير أم أن الإستراتيجية ظلت حبيسة الأدراج في مكاتب الوزارة؟
صحيفة الوطن أون لاين
أضيف بتاريخ :2017/01/17