راشد محمد الفوزان ..

لن تجد تعريفا واحدا وموحدا للعولمة، ولكن يمكن إجمالها بعبارة متفق عليها، ويمكن أن تخضع لعدة تفسيرات وتحليلات "هي الأثر الخارجي الذي يفرض واقعه على الفرد أو الجماعة أو المجتمع، ويفرض حضوره وديناميكيته وسيطرته، ويجعله في حالة إنقياد سلوكي مع الخارج والعالم وبوسائل متعددة"، وهذا يعني أن العالم يصبح متصلا ببعضه أيا كان مكانه وموقعه، ويملك منصة مستقلة، وهذا ما يجعله متأثرا أكثر من مؤثر في هذا العالم، وحين نركز على الجانب الاقتصادي والمالي، سنجد انجراف السلوك الاستهلاكي في العالم بحيث يمكن التأثير والتأثر مباشرة، وليست العبرة بالمسافات ولا الحدود ولا حتى النوع والعرق واللغة، أصبح هناك لغة موحدة تقود هذه العولمة، وساعد على ذلك التطوير السريع والمتاجنس في وسائل التواصل والاتصال في العالم، كالهواتف الذكية والشبكات السريعة، والتطبيقات المتعددة، ووسائل النقل السريعة والأقل كلفة، ولنا في أمازون دليل واضح، فهي ستتوسع خلال ثلاث سنوات بما يمكنها من إضافة ما يقارب نصف مليون وظيفة، وأشاد بها الرئيس الأميركي المنتخب "ترامب" مؤخرا.

هذه العلومة، التي أصبح معها العالم، سوقا واحدة، منصة واحدة، مرونة الشراء والبيع والنقل والتوصيل، وتتم كل العلميات خلال ساعات حتى تصل لك أنت كمشترٍ، أيا كان موقعك أو موقع ما اشتريت، والعكس، وهذا فرض سلوكا استهلاكيا متغيرا وغير العالم، حيث وجدنا الدول تحتدم في صراعتها وحروبها التجارية، ونحن نعيش "حربا" حقيقية في العملات وهي نوع من الحروب لايشترط أن تكون بالسلاح أو الجيوش، فالتحديات للدول الان هي "الاقتصاد" من خلال مواجهة تحديات كبيرة، كالبطالة، وسعر الفائدة، والقروض، والنمو الاقتصادي، هذا ما يعاني منه العالم، وأصبح كل اقتصاد "صناعي" للدولة الكبرى، أو ذات الوفرة المالية، تبحث عن الفرصة في الخارج، فالكل يريد أن يصنع ويصدر لتحقيق الوفر المالي ورفع الإيرادات ونمو الوظائف وتقليص البطالة، وحفظ الميزان التجاري، وأصبحت الدول تواجه هذه التحديات، والمستهدف ليس الفقير أو الأقل دخلا لأن قدراته محدودة، ولا الغني القادر على مواجهة التحديات وإن حدثت، ولكن التحدي في الطبقات الوسطى، بكيفية مواجهة هذا التيار "العولمي" أمامه، خاصة حين تواجه الدول مصاعب اقتصادية، تكون هي الطبقة الأكثر تأثيرا ومواجة للمصاعب، وهذا هو التحدي المستقبلي الحقيقي القادم، كيف تحافظ على الطبقة المتوسطة بحيث تكون هي الأغلبية بين كل الطبقات وبنمو مستمر؟!.
 
جريدة الرياض