حكاية التداول السلمي للسلطة
حمود أبو طالب ..
لن نتحدث عن الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترمب ولا عن خطابه بعد تنصيبه رئيساً، ولا نريد أن نتحدث عن سياسات أمريكا في العالم، فقط نريد أن نتأمل تفاصيل ذلك المشهد الذي بدأ من البيت الأبيض بلقاء ودي بروتوكولي بين الرئيسين السابق والجديد وانتقالهما إلى مبنى الكونجرس حيث تمت المراسم، وانتهاء بمغادرة الرئيس السابق إلى منزله ودخول الجديد إلى البيت الأبيض. نريد أن نتأمل رمزية ذلك المشهد التأريخي ودلالاته ومعانيه وقدرته على تشكيل طبيعة حياة المجتمع الأمريكي وإدارة شؤون أمريكا داخليا وخارجيا.
تتضمن دساتير الأنظمة في العالم وتؤكد على مبدأ جوهري هو التداول السلمي للسلطة، لكن كيف يتم تطبيق هذا المبدأ؟. يوم ٢٠ يناير في أمريكا هو يوم تنصيب الرئيس الجديد، لا يستطيع مسؤول أو حزب أو سلطة مهما كانت أن تؤجله. يتم تنصيب الرئيس بسلاسة وهدوء وفق تقاليد محددة تمثل قيماً راسخة في الحياة السياسية. نشاهد الرئيس السابق يسلم سلطته برضا وقناعة وسعادة لأنه يتمثل تلك القيم ويؤمن بها ويطبقها، ونرى الرؤساء السابقين يشاركون في المناسبة كدلالة على احتفالهم وفخرهم بالديموقراطية التي يطبقها نظامهم، وهنا نفهم ونرى الترجمة الحقيقية والتطبيق الفعلي لمصطلح التداول السلمي للسلطة، ويتم هذا الحدث التأريخي المهم بينما الحياة تسير في كل أنحاء أمريكا بشكل طبيعي، لا حالة طوارئ ولا تعطيل للأعمال والمرافق، ولا تحويل البلد إلى ثكنة عسكرية.
بهذا الشكل يتم تداول السلطة في البلدان التي تحترم دساتيرها وقوانينها وتحتكم بالفعل للديموقراطية وتطبقها باحترام. لكن المهزلة الحقيقية هي ما يحدث في بلدان التخلف التي تدعي أن لها دساتير تؤكد على المشاركة السياسية عبر أحزاب متساوية الحقوق تمثل الشعب وتشارك في انتخابات حرة نزيهة تنتهي بوصول مرشح إلى سدة الحكم لفترة محددة. لكن الذي يحدث في الواقع هو نسف كل ذلك الكلام المكتوب على الورق لتصبح النتيجة حزبا واحدا هو حزب الحاكم، وحاكم واحد يجدد لنفسه بانتخابات شكلية مزورة، ثم يبقى على كرسي الحكم حتى يموت أو يغتال أو يُسجن. انقلابات واغتيالات وفوضى وتدمير للبلاد وقمع للعباد وإراقة للدماء من أجل البقاء في الحكم، ورغم ذلك يلهج الساسة دون خجل بالديموقراطية والتداول السلمي للسلطة.
المشهد الذي تابعه العالم يوم ٢٠ يناير في أمريكا هو الذي جعلها وجعل غيرها تمسك بزمام الحضارة والقوة والتطور والاستقرار، وغيابه هو الذي جعل بلدانا ترزح في أتون التخلف والتبعية والفوضى والفساد والفقر والجهل.
صحيفة عكاظ
أضيف بتاريخ :2017/01/22