بيان «معيب» زيف الحقيقة
هاني الفردان ..
أصدرت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان يوم الإثنين (30 يناير/ كانون الثاني 2017) بياناً قالت فيه إنها تابعت، وبقلق بالغ، الحوادث المتصلة بعمليات خطف وتعدٍّ على شباب وصبية من المواطنين في بعض مناطق مملكة البحرين، حيث راح ضحيتها مواطن يبلغ من العمر 18 سنة، وتعرض مواطنان آخران يبلغان 16 سنة و26 سنة من العمر لإصابات متفرقة نتيجة تعرضهما لاعتداء بدني أفضى إلى عجز مؤقت لأحدهما، ومعاناة جسدية ومعنوية شديدة للآخر أثناء احتجازه وحرمانه من حريته بالمخالفة للقانون، إضافة إلى ما نشر عن إصابة شاب آخر يبلغ من العمر 17 عاماً إصابة خطيرة في رأسه على إثر تبادل مجموعتين من الملثمين إطلاق النار والحجارة فجر يوم الخميس الماضي (26 يناير/ كانون الثاني 2017).
نعرب عن حزننا لما يتعرض له أبناء وطننا في أي مكان سواء كانوا من العامة أم من رجال الأمن، ولا نبيح أبداً قتل النفس التي حرمها الله بأي شكل من الأشكال ومن أي طرف كان؛ بل نقف بكل علانية ضد تلك الأعمال التي لا يمكن قبولها أو تبريرها، فعن رسول الله (ص): «لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق».
من وجهة نظرنا فإن بيان المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان معيب» جداً في حق جهة تدعي أنها على حيادية ومستقلة، وتريد أن تتمتع بشيء من الصدقية في تعاطيها مع ما يحدث في البحرين، فهذا البيان تناول قضية شاب أصيب بطلق ناري في الرأس، أدى به لوضعه على سرير الموت في وضع خطير جداً، ونسبت المؤسسة الحادث لوقوع تبادل بين «مجموعتين من الملثمين إطلاق النار والحجارة»، فما هو مصدر المؤسسة في ذلك الحديث؟ وما هو دليلها على ذلك؟ وعلى ماذا استندت؟ إذا ما عرفنا أن الجهات الرسمية المعنية أصلاً لم تتكلم عن القضية حتى يومنا هذا، فمن أين جاءت المؤسسة بهذه الرواية، المعيبة في حق أي مؤسسة حقوقية تريد أن تفرض احترامها على الآخرين؟.
ليس ذنب الناس في البحرين أن المؤسسة فشلت في الحصول على الاعتمادية الدولية، لتنقلب كل هذا الانقلاب، وتصبح ردات فعلها غير منطقية وعقلانية، بل تبرر كل شيء، وتوجد الأعذار لكل ما من شأنه أن يوتر أوضاع حقوق الإنسان في البحرين، أو أن يضيع حق أحد، فتكون شريكاً في ذلك الفعل.
حتى في البديهيات والمسلمات في قضايا حقوق الإنسان، انقلبت عليها المؤسسة الوطنية بشكل علني، فبعد أن كانت تؤكد على أن «الحق في التمتع بضمانات المحاكمة العادلة مازال عرضة للانتهاك» في البحرين، وذلك من خلال نشر صور المتهمين قبل إدانتهم (تقريرها السنوي الأول العام 2013) خرج رئيسها ليتناقض مع ذلك علنية في تصريح لصحيفة محلية (21 مايو/ أيار 2016) مؤكداً أن «نشر صور المتهمين قانوني بعد استئذان النيابة»!
حديثاً انتبهت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان للكثير من القضايا التي كانت غير صائبة فيها، باتت تعمل على تعديلها الآن وتصويبها، بعد أن خسرت الاعتمادية الدولية، وبدأت المؤسسة وقياداتها تتخلى عن مبادئها وقيمها، فالمؤسسة دأبت في كل مرة تُنشر فيها صور متهمين وأسماؤهم، على إصدار بيانٍ يرفض ذلك، ساردةً جملة المخالفات الدستورية والقانونية، المحلية والدولية لذلك، وها هي تنقلب على عقبيها في ذلك.
من شدة قلق المؤسسة، وخوفها لم تستطع المؤسسة في بيانها الأخير أن تذكر اسم المنطقة التي وقع فيها على حد زعمها تبادل إطلاق نار ورمي الحجارة بين مجموعتين من الملثمين، والسبب بسيط جداً، هو أن المؤسسة لا ترى ولا تعتقد وغير مؤمنة بتاتاً أن تلك المنطقة تشهد حالة أمنية منذ شهور طويلة، لذلك فضلت الصمت عن الحديث عنها، وعندما نطقت أسقطت اسم المنطقة من بيانها، وحرفت حقيقة ما حدث دون سند!
منذ 20 يونيو/ حزيران 2016 وحتى يومنا هذا تعيش منطقة الدراز حالة أمنية واضحة للجميع يدركها الجميع بما فيها الحكومة، وذلك منذ إسقاط جنسية الشيخ عيسى قاسم، ومع ذلك غاب عن أدبيات المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان تلك الحالة، على رغم أن الجهات الرسمية تعترف بذلك بمسميات مختلفة ولأسباب متعددة.
نمتلك الحق في انتقاد المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان وتوجهاتها ومواقفها؛ كونها خرجت عما نعتقد أنه أساس تكوينها، وهو قول الحقيقة على أقل تقدير، وتوثيقها حفاظاً على سمعتها التي فقدتها مع عدم حصولها على الاعتمادية الدولية؛ بسبب عدم قناعة المجتمع الدولي باستقلاليتها، بل أيضاً يمكننا أن نتهمها بـ «تزييف الحقيقة» كون رواية تبادل «مجموعتين من الملثمين إطلاق النار والحجارة» من صنع خيالها وحدها ولم تتبناه أي جهة رسمية.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2017/02/01