محمد العوفي ..

سيل الاستفسارات الذي يرافق إصدار بعض الأنظمة والتشريعات أو البرامج الحكومية الجديدة يوحي بأن هذه التشريعات والأنظمة ولوائحها التنفيذية يلتبسها بعض الغموض، وأنها لم تكن بذات الوضوح والشمولية التي تقطع بها دابر التفسيرات والتأويلات المتباينة لها، مما جعل هذا السيل من الاستفسارات هو المخرج الوحيد لفهم هذا الغموض وإزالة لبس التأويلات والاحتمالات، والحقيقة التي لا مفر من الإقرار بها.

إن عدم وضوح الأنظمة والتشريعات وغموضها عيب تشريعي يمكن استغلاله وتأويله بغير ما أعدت من أجله. ولو كانت هذه الأنظمة أو اللوائح واضحة وضوحا يغلق كل منافذ التأويل والتفسيرات المتباينة لما احتجنا لهذا الكم من الاستفسارات، كما أن بعض الأجوبة على هذه الاستفسارات هي الأخرى تترك مشرعا للتأويل والاحتمالات، ولم تكن واضحة وشفافة بما يكفي، وتترك الإجابة معلقة بانتظار ما يطرأ عند الانتقال من مرحلة التنظير إلى مرحلة التطبيق.

حالة عدم الوضوح هذه نعيش أحداثها حاليا، فالاستفسارات المتعلقة بحساب المواطن الذي فتح باب التسجيل أول هذا الشهر توحي بأن هناك لبسا وغموضا في آليات التسجيل، والفئات المستحقة.. وغير ذلك. ورغم محاولة وزارة العمل والتنمية الاجتماعية الإجابة على هذه الاستفسارات بتقديم معلومات واسعة عن آليات التسجيل بالبرنامج وطرق الاستحقاق والشرائح المستهدفة، إلا أن الإجابة على بعضها لم تكن بالوضوح المطلوب، مثل طلب تقديم راتب الزوجة، وكيفية احتساب الدعم، وكيف ستتم معاملة من لديهم قروض حكومية (بنك التسليف – صندوق التنمية العقارية) والمعايير التي سيعتمدها لتقديم الدعم لمستحقيه، هل سيعتمد الدخل وعدد أفراد الأسرة، وهو الواضح لدينا، أم إنه سيراعي فروق المعيشة وتكاليف الحياة بين المدن وبين المحافظات، وهي نقطة لا تقل أهمية عن حجم الدخل والأسرة، فتكاليف الحياة (السكن- الإيجارات - المعيشة – التنقل) في الرياض أو جدة أو الدمام لا تقارن بباقي المدن والمحافظات في المملكة.

يضاف هذا السياق إلى ما تكشف جليا فيما يتعلق باحتساب دخل رب الأسرة، فإجابة وزارة العمل أشارت إلى أن دخل رب الأسرة هو الدخل الأساسي للأسرة السعودية، ويشمل جميع المبالغ من أي مصدر دخل دوري، سواء أكان شهريا أو سنويا، وأنه يتم النظر حاليا في آلية معاملة دخل أفراد الأسرة الآخرين (الزوج، الأبناء)، وطلبت الإفصاح عن دخل الزوجة، مكافآت الطلاب ومخصص حافز وساند، فلم تحدد وزارة العمل حتى الدخل الذي ستعتمد عليه في احتساب مقدار الدعم، وفتحت المجال لكل التوقعات، ولاسيما أنها طلبت الإفصاح عن دخل الزوجة، رغم أنها ذمة مالية مستقلة عن زوجها وأن الرجل ملزم شرعا بالنفقة عليها حتى وإن كانت ثرية. رغم أن البرامج بدأ التسجيل بقيت الضبابية حول كيفية احتساب دخل رب الأسرة قائمة.

هل يعقل أن يبدأ البرنامج دون أن تحدد الوزارة أو تتخذ قرارا في ذلك؟ وهذا يعني أن وزارة العمل والتنمية الاجتماعية قد تقرر في أي لحظة احتساب دخل بقية الأفراد ضمن دخل رب الأسرة، مما قد يفتح بابا للمشاكل الاجتماعية داخل الأسرة.

الواضح مما سبق أن سياسة البرنامج لم تحدد بعد، وأنها في طور الدراسة من لجنة عليا. ويتضح من هذا البرامج وكم الاستفسارات التي صاحبت إطلاقه، وغيره من البرامج التي أعلن عنها سابقا أن بعضا منها تعلن وتطلق قبل منحها الوقت من الدراسة والمراجعة، ثم نكتشف لاحقا عند تطبيق البرنامج أن هناك خللا وعيوبا فيها، وأنها بحاجة إلى تعديل ومراجعة، وهو ما ستكشفه لنا الأيام المقبلة.

صحيفة مكة