وقاية البيئة أقل ثمنا من علاجها
حسين الخميس ..
تواجه العديد من الدول النفطية في الوقت الراهن تحديات اقتصادية نتيجة التذبذب في أسعار النفط. يتبع هذه التحديات محاولة في خلق إيرادات غير نفطية، وتقليص الإنفاق الرأسمالي الحكومي. مبالغ طائلة من هذا الإنفاق يمكن تجاوز صرفها، مما يعيد جزءا من التوازن المالي المطلوب في هذه الدول، وبلغة الأرقام، فإن من أبرزها هو التكلفة الاقتصادية للتدهور البيئي.
إن التأثيرات الاقتصادية الناجمة من التلوث البيئي وما يسببه من متاعب صحية على الإنسان تتطلب مصروفات مالية للرعاية الطبية. فالأمراض المتعددة نتيجة تلوث الهواء والماء تحتاج عناية صحية ومراكز طبية وأدوية علاجية، والتي تعتبر غالبا بأنها من الأدوية عالية التكلفة نظرا لاستخدامها في علاج المشاكل الصحية المتعلقة بالرئتين والقلب والمرتبطة بشكل غير مباشر بالتلوث. جودة الهواء والماء لا يمكن حصرها على أنها جزء من رفاهية المجتمع وميزة في الدول والمجتمعات الغنية، بل يمكن ربطها أيضا مباشرة باقتصاد الدول بشكل مباشر أو غير مباشر. وبناء على بيانات البنك الدولي، فإن الاقتصاد العالمي يفقد حوالي 225 مليار دولار سنويا للتكاليف المرتبطة بالتلوث. حيث تخسر الصين والهند ما لا يقل عن 10% من الناتج القومي، وتفقد أمريكا قرابة 45 مليار دولار سنويا، وألمانيا حوالي 18 مليار دولار، وما يقارب 8 مليارات دولار في بريطانيا، على الرغم من محاولة هذه الدول بالالتزام بمعايير وقوانين الحماية البيئية.
ما تبذله مؤسساتنا الحكومية ذات الاختصاص البيئي في المملكة، إضافة إلى البحث العلمي الذي يستهدف تقييم المخاطر البيئية وإدارتها، ساهم في تحسن مؤشر الأداء البيئي لمعايير موارد المياه، ومياه الصرف الصحي والحفاظ على التنوع البيئي في عام 2016، وذلك بناء على نشرة الأداء البيئي لدول العالم، والصادر من جامعة ييل الأمريكية بالتعاون مع المنتدى الاقتصادي العالمي وعدد من المؤسسات البحثية الأخرى، على الرغم من تسجيل مراتب أقل في مجالات الآثار الصحية، والحفاظ على الثروة النباتية والسمكية في تلك النشرة، إلا أن وزارة البيئة والزراعة والمياه أبرزتها ضمن أهدافها الاستراتيجية لبرنامج التحول الوطني.
تبرز أهمية تقدير التكاليف البيئية ضمن التخطيط الاقتصادي، حيث إن غياب بعض الاشتراطات البيئية لا تزال تستنزف من ميزانية الدولة مبالغ طائلة، فقطاع الطاقة لوحده على سبيل المثال، يخصص له حوالي 150 مليار ريال سنويا على شكل وقود بأسعار مخفضة، حيث يأتي غالبية هذا الاستهلاك من المباني التي لا تراعي أهمية العزل الحراري في المباني أو ما يعرف بيئيا بالأبنية الخضراء.
إن التكاليف البيئية في المملكة تحتاج تقييما اقتصاديا بيئيا شاملا، يراعى فيه مكافحة مـصادر التلوث وتقليصه إلى أدنى حد، مع إلزام مصادر الانبعاثات ببرامج الإجراءات التخفيفية والمراقبة البيئية، للوصول إلى موازنات مالية يقل فيها المصروفات التي يمكن تفاديها باتباع خطط بيئية تحقق عوائدها رفاهية للمجتمع الحالي وتنمية مستدامة للأجيال القادمة.
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2017/02/05