صالح الشيحي ..

من باب المكتب حتى الوصول إليه، مضمار طويل، مضمار خيل، الفرق لا يوجد منعطف أخير للجياد.. حتى تصافح يده تكون خسرت عشر سعرات حرارية!.

على الطاولة أكوام هائلة من الورق، ومستلزمات كثيرة.. وملفات خضراء وبلاستيكية، وعدسة مكبرة، وصحن فستق ولوز، شاهدت مقص أظافر وكيس "شابورة".. وثلاث دباسات، وخرّامة وعلبة هندسة، ودهن عود وثلاث تلفونات، وأعدادا قديمة من مجلة مشهورة، وعلبة أعواد أسنان!

يمين الطاولة ويسارها كراسي وثيرة كلاسيكية تصلح للنوم، وأمامها طاولات خشبية ضخمة تتوسطها أوانٍ زجاجية فيها تمر.. ومناديل غير مفتوحة.. خلف المكتب باب، هذا الباب حسبما فهمت يؤدي إلى دورة مياه خاصة.. أظنها تحتوي بانيو، ولا أستبعد وجود غرفة ساونا داخلها!

شاهدت مكاتب مماثلة لمسؤولين كثر.. مرّ أمامي هذا الشريط حينما قرأت قرارا لوزارة الخدمة المدنية يتضمن تحديد المساحات لمكاتب المديرين والموظفين بالأجهزة الحكومية!

تجدر الإشارة هنا إلى أن عدم نجاح وزارة الخدمة المدنية في حل بعض الملفات العالقة لا يبرر عدم قيامها بإصلاحات في جوانب أخرى كالقرار المشار إليه.

لا أود الاستشهاد بالبنوك وشركات الاتصالات.. مع أنها قياسات مناسبة جدا.. تدخل غرفة مدير بنك فتجدها صغيرة للدرجة التي لا تتسع لثلاثة مراجعين.. طاولة صغيرة لامعة، كراسي عملية، جهاز كومبيوتر، شاشة كاميرات.. وعمل وحوالات وإيداعات ضخمة، كلها تتم في هذه الغرف الصغيرة الزجاجية دون حاجب ودون سكرتير ودون مكاتب ضخمة تؤدي إلى المكتب الأضخم!

 قلت لا أود الاستدلال بالبنوك وشركات الاتصالات.. سأتحدث عن جامعة الملك سعود.. ارتبطت بالجامعة بضعة أشهر قبل ثماني سنوات.. من الأشياء العالقة في ذاكرتي هو مساحة مكاتب عمداء ورؤساء الأقسام.. كانت مكاتب صغيرة عملية، بالكاد تتسع لشخصين اثنين وداخلها يتم عمل ضخم وسريع.

اليوم يأتي قرار وزارة الخدمة المدنية في وقته المناسب.. ويتضمن بالمناسبة إجراءات عملية تتعلق بضوابط تأثيث المكاتب، وقاعات الاجتماعات والاستقبال.. الذي أرجوه بالفعل، أن تبدأ وزارة الخدمة المدنية بتطبيق قراراتها وإجراءاتها على منشآتها.. أن يبدأ الوزير بمكتبه هو.. وبمكاتب وكلاء وزارته.

الخلاصة: يفترض أن يعي المسؤول أن هناك فرقا بين مجلسه في منزله، ومكتبه في العمل.. المكتب المترهل يعني إدارة مترهلة.

صحيفة الوطن أون لاين